خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
١١٧
-آل عمران

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِى هذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }: أى ما ينفق الكفار لعداوة رسول الله، صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ولو بعده صلى الله عليه وسلم كأبى سفيان واليهود وغيرهم، وقيل: نفقة جميع الكفار وصدقاتهم وهو أولى. وقيل: المراد نفقة أبى سفيان بدر وأحد، وأصحابه. وقيل: نفقة اليهود على علمائهم، ورؤسائهم، وقيل: نفقة المرائى الخائف، وهذا القول ضعيف، لأنه لم يتقدم ذكر المرائين، وإنما المراد هنا من أريد فى قوله { إن الذين كفروا } لأن الظاهر أن الضمير عائد إلى الذين كفروا فالتعميم فيهما أولى.
{ كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ }: برد شديد تحرق كلما هبت عليه، والصر: البرد والتنكير للتعظيم، ولذلك قلت: برد شديد، وهو مصدر وشاع استعماله بمعنى الريح الباردة، ولا يصح فى الآية إذ لا وجه لقولك كمثل ريح فيها ريح باردة، اللهم إلا على التجريد البديعى، وهو مبالغة، بل وجه استعماله الشائع فى الريح الباردة، أن أصله مطلق البرد، فوصف به الريح مبالغة حتى أنه يطلق الصر، ويعلم أنه الريح الباردة، كأنه قيل ريح صر، كقولك فى المبالغة فى عدل زيد: زيد عدل، ويجوز كونه وصفاً نعت به المصدر مبالغة، من لفظه كنهار أنهر، وليلة ليلاء، وشعر شاعر أى برد بارد.
{ أصَابَتْ حَرْثَ قوْمٍ }: أى زرع قوم، وهو نباتهم الذى حرثوا له البذر فنبت منه.
{ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُم }: بالشرك أو ما دونه من المعاصى.
{ فأهْلَكَتْهُ }: عقوبة لهم، ووصف قوماً بأنهم ظلموا ليكون إهلاك حرثهم لأن الإهلاك عن سخط أشد، فيكون قد شبه ما أنفق هؤلاء بحرث أهلك إهلاكاً شديداً، ووجه الشبه عدم الانتفاع، كما لا نفع فى ذلك الحرث لا نفع لهم فى إنفاقهم، لأنه فى معصية أو هو رياء، فلا ثواب، ولو كان نفع فى الدنيا، فى بعض الأحيان، وذلك من التشبيه المركب، إذ شبه ما أنفقوه وضياعه، بلا نفع، وكفرهم الذى هو سبب لضياعه، والريح التى هى سبب الضياع، لجامع مطلق عدم الحصول على منفعة، ولذلك صح أن يلى كمثل لفظ ريح وإلا تلا الحرث، ويجوز أن يكون تشبيهاً إفرادياً فيقدر مضاف، أى كمثل مهلك ريح - بفتح اللام من مهلك - وهو الحرث ولما حذف المضاف صح ذكر لفظه فى قوله
{ { حرث قوم } }. { وَمَا ظَلَمَهُم }: أى ما ظلم المنفقين بعدم إثباتها على ما أنفقوا، ودلت الآية أن الذنوب سبب الثبات والثمار، وكذا هى سبب للأمراض قيل: إن مصائب الدنيا كلها للذنوب.
{ الله ولكَنْ أنْفُسَهُم يَظْلِمُونَ }: بانفاقهم فى المعصية أو بريائهم أو كفرهم، أو ما ظلم القوم الحارثين بإهلاك حرثهم، ولكن ظلموا أنفسهم فى التسبب فى ضياع حرثهم، لما ذكر عنهم من الظلم فى قوله { حَرْثَ قوْم ظَلَمُوا أَنْفُسَهُم } وهو الشرك، وما دونه، وقدم { أنفسهم } على ناصبه للحصر والفاصلة، وقرئ بتشديد { لكن } فيكون اسمه أنفسهم لا ضمير الشأن، إذ لا يحذف ضمير الشأن اسما، لكن إلا فى الضرورة كقول أبى الطيب:

وما كنت ممن يدخل العشق قلبه ولكن من يبصر جفونك يعشق

فإن "من" شرطية لجزم "يبصر" و "يعشق" حتى كسرت القاف، و"من" الشرطية لها الصدر لا تعمل فيها "لكن" فقدر لها ضمير الشأن.