خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِيۤ أُخْرَٰكُمْ فَأَثَـٰبَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَآ أَصَـٰبَكُمْ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
١٥٣
-آل عمران

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إِذْ تُصْعِدُونَ }: تبعدون بالذهاب، فى الصعيد وهو ما على وجه الأرض من تراب أو حجارة، أو جبل يقال أصعد من مكة إلى المدينة، وإذ متعلق بصرفكم، أو بيبتليكم، أو بعفا وهو أقرب لفظاً، قيل: أو بعصيتم أو تنازعتم، أو فشلتم وفيه بعد اللفظ، وما بينه وبين متعلقه معترض أو مفعول فبأى اذكره، وإذ تصعدون، أو متعلق بمحذوف، والمحذوف مفعول، أى اذكروا الحادث إذ تصعدون. وقرأ الحسن: تصعدون بفتح التاء والعين، من صعد على الجبل ونحوه إذا رقا، وذلك أنهم لما انهزموا رقوا على أحد هرباً فى قول بعض، ويدل لقراءة الجمهور قراءة أبى: إذ تصعدون فى الوادى، كما قرأ ولكن زاد فى الوادى فبان أن المراد ذهبوا فى الأرض، وبعدوا وذلك هرب عند الهزيمة، وقرأ أبو حياة: تصعدون بفتح التاء، والصاد وتشديد العين مفتوحة، على أن الأصل تتصعدون، فحذفت أحد التاءين وهو من الصعود، فى الجبل والسلم، ونحو ذلك، والمراد هنا الجبل، ويجمع بين القراءة بأن بعضاً رقى الجبل وبعضاً فر فى الأرض، قال أبو معاذ النحوى: كل شىء له أعلى وأسفل مثل الوادى يقال فيه أصعد إذا انحدر من أعلاه إلى أسفله، وإذا ارتفع كالمرتقى على السلم يقال فيه صعد.
{ وَلاَ تَلْوُونَ }: عطف أو حال من واو تصعدون.
{ عَلَى أحَدٍ }: أى لا تلوون أجسادكم لأجل أحد، من قوله: لويت الشىء إذا عطفته، وعلى التعليل أى لا ترجعون إلى عدوتكم، ولا إلى مسلم تتعدونه، ولا يلتفت بعضكم إلى بعض، وذلك كله لشدة الهرب أو هو من قولك لوى على الشىء بمعنى أقام عليه، وقرأ حميد بن قيس على أحد بضم الهمزة والحاء وهو الجبل يريد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على الجبل المسمى بأحد، ولم يلووا عليه، ولم أعرف أنه صعد جبل أحد يومئذ، فكيف يصعده فى ذلك الوقت؟ وقيل أنه صعده بعد ما فر الناس. وقرأ: يصعدون ولا يلوون بالياء التحتية فيهما بضم الياء فى الأول وكسر العين على معنى أن الله تفضل على المؤمنين بالنصر إذ ذهب الكفار وبعدوا، أى فى الأرض منهزمين لا يرجعون إليكم ولا إلى من خلفوه من رجالهم، ونسائهم، وأموالهم وذلك أول أمر قتال أحد قبل انتقال الرماة، وعلى هذا قالوا: وفيهما للمشركين، وإذ تتعلق بفضل وعلى هذا يكون قوله: الرسول يدعوكم حالا، من كاف صرفكم، وقراءة الجمهور أولى، وقرأ الحسن: تلون بواو واحدة.
{ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِى أُخْرَاكُمْ }: حال من واو تصعدون، أو واو تلوون فى قراءة الجمهور، أى يدعوكم حال كونه فى أخراكم، أى فى جماعتكم الأخيرة التى من ورائكم، أو متعلق بيدعو، ثم رأيت القاضى قال: فى ساقتكم، أو جماعتكم الأخرى، يعنى الأخيرة وذلك أن الناس هربوا وبقى وراءهم يدعوهم ليرجعوا للقتال، وليعلموا أنه لم يمت ويقول إلىّ عباد الله، إلى عباد الله أنا رسول الله من يكر فله الجنة، وكرر ذلك حتى خص الأنصار، فقال: يا أنصار الله أنا رسول الله، فتراجعت الأنصار والمؤمنون، ولعله لم يرد خصوص الأوس والخزرج المؤمنين، بل أرادهم والمهاجرين وسائر المؤمنين، إذ هم أنصار الله، وفى قوله تعالى: { فى أخراكم } مدح لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك موقف الأبطال إذ فر الناس قال سلمه بن الأكوع والعباس وغيرهما، كنا إذا احمر البأس اتقيناه برسول الله، صلى الله عليه وسلم.
{ فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ }: أى الله أى جازاكم على فشلكم، وتنازعكم وعصيانكم، غما مع غم أو مقروناً بغم، فإن الجزاء والثواب فى الخير والشر ولو اختصا فى العرف بالخير، ويجوز أن يكون ذلك تهكماً بهم، إذ خالفوا فهزموا والعطف على صرفكم، والباء بمعنى مع أو للإلصاق المجازى، أى مقروناً بغم، وتعلق بمحذوف نعت { لغما } المراد غموم كثيرة، لا غمان، وهى غم القتل، وغم الجرح، وغم ظفر المشركين، وغم الإرجاف بموت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وغم فوت الغنيمة، وغم فوت الظفر. وقيل: الباء للسببية، تتعلق بأثاب أن المعنى أثابكم بما ذكر كله بسبب غم، أذقتموه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعصيانكم له وكذا أذقتموه من لم يفشل، ولم يعص ولم ينازع بباطل من المؤمنين، وقيل: الباء بمعنى مع أو للإلصاق المجازى، لكن غمان فقط، قال الكلبى: الأول إشراف خالد مع خيل المشركين عليهم، والثانى أنهم اغتموا حين نظروا أبا سفيان وأصحابه مجتمعين بباب الشعب بعد الفراغ من القتال، خافوا أن يميل عليهم أبو سفيان، وقيل: الأول فوت الظفر والغم، والثانى القتل والهزيمة، وقال مجاهد وقتادة: الأول أنهم سمعوا أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قتل، والثانى القتل والجرح، وقيل: بالعكس، فأنساهم موته الغم الأول وقيل الضمير المستكن فى أثاب عائد إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والمعنى سلواكم فى الاغتمام، لأنه اغتم بعصيانهم بالمخالفة مع حرمانهم من الغنيمة، وبقتل أقاربهم وجرحهم، واغتموا بما سمعوا من موته، وموت عمه حمزة وشجه، وكسر رباعيته.
{ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ }: بعد من نفع كغنيمة ونصر.
{ وَلاَ مَآ أَصَابَكُمْ }: من ضر بعد كقتل وجرح وذل، وقيل: على ما فاتكم أو أصابكم فى تلك الواقعة، وقد مر أن سماعهم بموته، صلى الله عليه وسلم، أنساهم غيره، مما اغتموا به، واللام متعلق بقوله { أثابكم غما بغم } ووجه كو إثابة الغم بالغم علة لزوال الحزن أنهم يعتادوا لذلك، وقيل: متعلق بعفا، فإن عفو الله يزيل كل غم، وقيل: لا صلة للتأكيد فى الموضعين واللام متعلق بأثاب أى لتحزنوا على ما فاتكم من الظفر والغم، وما أصابكم من جرح وهزيمة عقاباً لكم.
{ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }: بعملكم أو بما تعملونه، وبقصدكم فيجازيكم بذلك.