خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ
١٧٨
-آل عمران

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ }: ما: اسم أن، وخير: خبرها، والمصدر من خبر { أن } مفعول لتحسب على حذف مضاف، والأول الذين، أى: ولا تحسبن يا محمد، أو يا من يصلح للحساب الذين كفروا أصحاب، إنما نملى لهم خير، أى: أصحاب خيرية ما نملى لهم، أوله مفعول واحد وهو { الذين }، والمصدر من خبر { أن } بدله على اعتبار البدل، والتأويل عليه لأنه لو سلط الحسبان على أن وما بعدها بلا تقدم المبدل منه لكفى ذلك مفعولين له معنى، فإن المصدر من خبر أن قائم مقام مفعولين لاشتمال الكلام قبل التأويل على المسند والمسند إليه. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائى، وعاصم، ويعقوب: ولا يحسبن بالياء التحتية، فالذين فاعل، والمصدر من خبر أن قائم مقام مفعولين على حد ما مر، وقيل فى مثل ذلك: إن المفعول الثانى محذوف، أى: ولا يحسبن الذين كفروا خيرية ما نملى لهم ثابتة. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة: بفتح السين مضارع حسب فى جميع القرآن، وليست مصدرية وصلت بأن فى مصحف عثمان، فكان وصلها سنة متبعة وقياس الخط فصلها بل هى اسم موصول، اسم لـ { أن } بدليل رفع { خير } وهو خبر { أن } ولو كانت مصدرية لنصب { خير } على المفعولية { لنملى } أو يحسب، و{ ما } واقعة على الإملاء، أى: لا يحسبن الذين كفروا أن الإملاء الذى نملى لهم خير، والرابط محذوف، أى: نمليه، أو { ما } واقعة على العمر، أى إن العمر الذى نمليه لهم، أى نطيله خير، وقيل: الإملاء تركهم يفعلون ما شاءوا خذلاناً لهم، فما واقعة على الإملاء، و{ لأنفسهم } نعت لخير، والخير بمعنى ما يرغب فيه وينتفع به، ويجوز كونه اسم تفضيل، أى خيراً لهم من عدم ذلك، فيجوز تعليق اللام به على هذا، والآية فى مشركى مكة، وقيل: فى قريظة والنضير، وكانوا يقولون لو لم يرض الله محيانا ماكان أصحاء ممولين، أحياء ممدودة آجالنا.
{ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ }: رد عل حسبانهم مستأنف مبين لعلة الإملاء، وما كافة، أى: ما أملينا لهم إلا ليزدادوا إثماً، قال أبو بكر الصديق رضى الله عنه:
"سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أى الناس خير؟، قال: من طال عمره وحسن عمله قيل: فأى الناس شر؟ قال: من طال عمره وساء عمله" . قيل: ما من نفس برة ولا فاجرة إلا والموت خير لها. يريد: أن الفاجرة الموت خير لها لئلا تزداد إثماً، والبرة: الموت خير لها لتستريح من الدنيا، ولئلا تزل قدمها، والأولى أن يعتبر فى المؤمنة عند الله، أن الحياة خير لها، إذ تزداد خيراً، ولا تزل، وما يصيبها من الآلام تثاب عليه، وأما الفاجرة فحياتها نجاة من النار ما دامت حية، لكن يزيد عذابها بها لأنها تزيد سوءاً وقد جف القلم بالموت والحياة، والشقاوة، والسعادة، وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيت الله يعطى على المعاصى، فإن ذلك استدراج من الله" قال جماعة من أهل العلم منهم الزجاج: هؤلاء قوم أعلم الله نبيه، صلى الله عليه وسلم، أنهم لا يؤمنون وأن نفاقهم يزيد ويموتون معاندين، واللام فى { ليزدادوا إثماً } لام الإرادة، أى أراد الله ازديادهم الإثم، لأن الله جل وعلا أراد المعصية من العاصى، والطاعة من المطيع، إذ لا يعصى مغلوباً، والإرادة غير الحب، والمعتزلة لما قالوا: لا يريد المعصية، وقد زلوا بذلك، قالوا: اللام للصيرورة، فإن الله أملى لهم ليطيعوه فصار إملاؤه وسيلة إلى ازدياد المعصية، وقرأ يحيى ابن وثاب: بكسر همزة إن الأولى، وفتح الثانية، ويحسبن بالياء فيكون الذين فاعلا، والمصدر من نملى الثانى مفعوله قائم مقام مفعوليه؛ لاشتمال اللفظ قبل التأويل على المسند والمسند إليه، أو يقدر مفعوله الثانى على حد ما قرئ لا يحسبن الذين كفروا إملاؤنا لهم ثابتاً ليزدادوا إثماً، وجملة { إنما نملى لهم خيراً لأنفسهم } بكسر همزة { إن } فى هذه القراء معترضة بين يحسب ومفعوله، أى: لا يحسبن الذين كفروا إملاؤنا لهم ليزدادوا إثماً، بل إملاؤنا لهم إنما هو ليؤمنوا ويطيعوا، فإملاؤنا لهم خير لو علقوا، قال السدى: عرضت على أمتى وأعلمت من يؤمن بى ومن يكفر. وفى رواية: عرضت على أمتى فى صورها فى الطين كما عرضت على آدم، وأعلمت بمن يؤمن بى ومن يكفر بى، فبلغ ذلك المنافقين فقالوا استهزاءً: زعم محمد ممن؟ أنه يعلم من يؤمن به ومن يكفر به، ممن لم يخلق ونحن معه ولا يعرفنا؟ فنزل قوله تعالى:{ مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ }.