خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ
١٨٦
-آل عمران

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ لَتُبْلَوُنَّ فِى أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ }: أى والله لتصابن فى أموالكم وأنفسكم، أو لتعاملن معاملة المختبر بالمصائب، كآفات المال وتكليف الإنفاق فى الجهاد، وكالمرض والقتل، وفقد الأقارب والعشائر، فوطنوا أنفسكم للصبر على الشدائد فتثابوا، والأصل لتبلوونن، حذفت نون الرفع التالية للواو تخفيفاً لتوالى ثلاث نونات، ولم تحذف نون التوكيد، لأنه لا دليل عليها، ولم يحذف النون الساكنة منها، لأن حذفها تصرف فى حرف المعنى بحذف بعضه، ولأنه لو حذفت لأدى إلى إدغام نون الرفع فى باقيتها فيوهم أنها مشددة، ونون الرفع كالحركة، إذ نابت عنها، وحذف الحركة أولى من حذف الحرف، ولا تدل على معنى ونون التوكيد تدل على المعنى، وحذف لام يدل أولى، وقلبت الواو الأولى وهى لام الكلمة ألفاً لتحركها بعد الألف ما فالتقى ساكنان هذه الألف، وواو الجمع، وهى الواو الثانية بل ثلاثة ثالثها النون المدغمة من نون التوكيد، حذفت الألف لأنها لغير معنى إذ هى حرف هجاء، وواو الجمع ضمير لمعنى، وضمتا الواو لتدل على الواو المحذوفة بعد قلبها ألفاً، ولئلا تلتقى ساكنة مع المدغم بعدها، والألف تدل عليها الفتحة.
{ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ }: اليهود والنصارى.
{ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ }: كمشركى العرب.
{ أَذًى كَثِيراً }: مفعول لتسمعن وأصله تسمعونن، حذفت نون الرفع لتوالى ثلاث نونات، وكانت أولى بالحذف لأنها كحركة، ولأن حذف المدغمة تصرف فى الحرف بحذف بعضه، ولأنه يؤدى إلى إدغام نون الرفع فى المتحركة الباقية، فيوهم أنها كلها نون التوكيد، وحذف نون التوكيد كلها يفوت المعنى، إذ لا دليل عليها، فالتقى ساكنان الواو والنون المدغمة، حذفت الواو لدلالة الضمة لا المدغمة، لأن حذفها يوهم الثابتة أنها نون الرفع فيفوت معنى التوكيد لعدم دليل. والأذى: الكثير هجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم والطعن فى الدين، وكل كلام يغرى الكفرة على المسلمين، وكل كلام مخبر أنهم فعلوا شرابهم، وعن عكرمة: سبب نزولها قول فنحاص إن الله فقير ونحن أغنياء، وما مر من استمداده. وقال الزهرى: سبب نزولها كعب بن الأشرف حتى بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبله، إذ قال، صلى الله عليه وسلم، من لكعب بن الأشرف فقد آذى الله ورسوله بالهجاء شعراً، فقال محمد بن مسلمة: أتحب أن أقتله؟ قال: نعم. قال: إئذن لى أن أقول. قال: قل فأتاه، فقال: إن هذا الرجل يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أراد الصدقة، ووفد عناناً ولما سمعه قال: وأيضاً والله لتملنهُ، فقال: قد اتبعناه ونكره أن ندعه حتى ننظر إلى أى شىء يصير أمره. قال: وقد أردت أن تسلفنى سلفاً. قال: فما ترهن لى؟ أترهن لى نساءكم؟ قال: إن أجمل العرب ترهن لك نساءنا. قال: ترهنوناً إلى أى شىء أولادكم؟ قال: يسب ابن أحدنا فيقال: رهن فى وسقين من تمر، ولكن نرهن لك السلاح، قال: نعم، وواعده أن يأتيه بالحارث بن أوس وابن عيسى بن جبر، وعياد بن بشر، فجاءوا فدعوه ليلا فنزل إليهم، قالت امرأته: إنى أسمع صوتاً كأنه صوت دم. قال: إنما هو محمد بن مسلمه، ورضيعه أبو نائلة، إن الكريم لو دعا إلى طعنة ليلاً لأجاب، قال محمد بن مسلمة فى الباب: أنى إذا جاء فسوف أمد يدى إلى رأسه، فإذا تمكنت منه فدونكم فنزل متوحشاً سيفاً، فقال محمد بن مسلمة: نجد منك ريح الطيب، قال: نعم تحتى فلانة أعظم نساء العرب. قال: أفتأذن لى أن أشم منه. قال: نعم، فشم فتناول فشم ثم قال: أتأذن لى أن أعود فاستمكن من رأسه، ثم قال: دونكم فقتلوه، وفى رواية فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئاً. قال محمد بن مسلمة: فذكرت سلاحاً كان عندى وقد صاح عدو الله صيحة، لم يبق حصن إلا أوقدت عليه النار فوضعته بين ثدييه وتحاملت عليه، حتى بلغت عانته ووقع عدو الله، وأصيب الحارث بن أوس بجرح فى رأسه أصابه بعض أسيافنا، فخرجنا وقد ابطأ عنا صاحبنا الحارث فوقفنا له ساعة، حتى أتانا يتبع آثارنا، فحملناه وجئنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل، وهو قائم يصلى فسلمت عليه فخرج علينا فأخبرناه بقتل كعب بن الأشرف، وجئنا برأسه إليه، وتفل على جرح صاحبنا، فرجعنا إلى أهلنا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظفرتم به من رجال اليهود فاقتلوه.
{ وَإِنْ تَصْبِرُواْ }: على أذاهم.
{ وَتَتَّقُواْ }: تحترزوا عما نهيتم عنه وما لا ينبغى.
{ فَإِنَّ ذلِكَ }: المذكور من الصبر والاتقاء.
{ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ }: عزم مصدر بمعنى اسم مفعول، أضيف للأمور إضافة صفة لموصوف، أى من الأمور المعزوم عليها، أى من الأمور التى من شأنها أن يعزم عليها حتماً لقوة نفعها، أو من الأمر التى يعزم عليها من يعتبر عزمه كالأبناء والولى، فالولى أو من الأمور التى عزم الله عليها، أى أمر بها أمراً أكيداً، وأصل العزم ثبات الرأى على الشىء، والتوجه نحو إمضائه، وليست الآية مما ينسخ بآية السيف، كما قيل أنها قبل نزول القتال، فنسخت به لأن الصبر والاتقاء مما يؤمر به، ولو بعد نزول آية القتال فإنه واجب أن يصبروا على الأذى من المشركين وغيرهم بمعنى أن لا يجزعوا ولا يسخطوا قضاءه، وقيل الظاهر أنها نزلت عقب أحد فى إيذائهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريف الأقوال بينهم، وفى مداراته لهم فيكون الصبر على تحمل ذلك، وعلى الجهاد العزم استعداد النفس للمكاره، لتهون عليه إذا وردت كما هو حكمة فى الإخبار بالبلاء، وسمع الأذى لأنهما سيكونان.