خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً
٢٣
-الأحزاب

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ من المؤمنين رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه } من المؤمنين خبر ورجال مبتدأ وصدقوا نعت رجال ويقدر لصدقوا مفعول آخر أي صدقوا الله ما عاهدوا الله عليه ولحذف لفظ الجلال اعقب صدقوا أظهر لفظا ولم يؤت به ضمير اعقب عاهدوا او يظهر ولو ذكر اللفظ الاول اقامة للظاهر موقع المضمر، وما مفعول ثان ومعنى صدقوا الله ما عاهدوا الله عليه: اخبروه وهو عالم بكل شيء بصدق وذلك حين عاهدوا ان يجاهدوا فقد نطقوا له بصدق لأنهم سيجهدون، نقول صدقني زيد وكذبني بالتخفيف أي: قال لي: صدقاً وكذباً. ولك ان تقول المفعول محذوف كما مر وما منصوب على نزع الخافض ولك ان لا تقدر مفعولا وتقدر الجار اي صدقوا فيما وعدوا وان لا تقدره، وما مفعول بأنهم أخبروا المعاهد عليه وهو الجهاد بالصدق اي سنفي بك ولو لم يفوا به لكان قد كذبوه، وذلك ان رجالاً من الصحابة نذروا ان لقوا حربا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعوا وقاتلوا حتى يستشهدوا فجاء أُحد وقاتلوا وجالدوا وصبروا فمنهم سعيد بن زيد بن سعد بن عمر بن نسد ومصعب بن عمير وأنس بن النظر عم انس بن مالك وحمزة وغيرهم ممن مات بأحد رضي الله عنهم وممن لم يمت قيل: كطلحة بن عبدالله، قال جار الله: وعثمان بن عفان وانه ممن ينتظر، والأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجة عندنا وعند قومنا تدل على خلافه { فمنهم من قضى نحبه } أي تجز عنده بأنه قاتل حتى مات شهيداً رضي الله عنه كحمزة ومصعب وانس بن النظر وقد علمت ان قضى بمعنى: أنجز والنحب: العهد وهو أيضاً وعد وهو ايضا ندر ولا يخفى انه مفعول قضي، وقيل: قضي او في ونحبه مفعول به وقيل النحب الموت استعارة من النحب بمعنى النذر فهو مفعول مطلق وقضى بمعنى مات او مفعول به وقضى بمعنى: بلغ وقيل: قضى بمعنى وفي نحبه: بمعنى وعده وهو عهد ونذر ايضا منصوب على تقدير الياء وقيل: قضى بمعنى بلغ والنحب الأجل مفعول به وقيل: قضى نحبه يدل جهده في الوفاء بالعهد حتى مات ومن فسر بالموت لنحب بالموت ابن عباس رضي الله عنهما روى ان انس بن النظر غاب عن بدر فساءه ذلك، فقال لمن شهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهد: ليرني الله ما أصنع، وقيل: قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عن اول قتال قاتلت المشركين لئن أشهدني الله قتالاً للمشركين ليرني الله ما اصنع ولعله قال هذا وقال ذلك، ولما كان يوم احد انكشف المسلمون فقال: اللهم إني اعتذر اليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين حيث انكشفوا وأبرأ اليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين، ثم ندم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النظر، وقيل قال: والذي نفسي بيده اني اجد ريحها من دون احد، وفي رواية قال: اللهم اني ابرأ اليك مما جاء به هؤلاء المشركين وأعتذر اليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين وهي أولى، فقال سعد: فما استطعت فأصنع وحمل لسيفه على المشركين وبلى بلاء حسنا حتى قتل رضي الله عنه، قال: بن اخيه انس فوجد بين القتلى فيه بضع وثمانون جراحة بين ضربة سيف وطعنة برمح ورمية بسهم، وقد مثلوا به كما مثلوا بحمزة فما عرفناه حتى عرفت اخته ثيابه.
قال خباب: وليس قضاء النحب نصا في الموت لجواز استعماله في الوفاء بالنذر من الثبات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مات او حيي.
{ ومنهم من ينتظر } الشهادة والمراتب العالية وفي بعهده من الثبات ولم يمت فهو ينتظر قتالا آخر يرغب ان يستشهد فيه، وقيل: ينتظر مع الوفاء النصر او الاستشهاد، قالوا:
"كطلحة ولقد ثبت بأحد حتى قطعت يده واستشهدت قبله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوجب طلحة" أي الجنة، وفي الصحاح أوجب الرجل اذا عمل عملا يوجب له الجنة والنار. قال خباب ابن الأرت: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله فوقع أجرنا على الله فمنا من مات ولم يأكل من اجره شيئا منهم صعب بن عمير قتل يوم احد وترك شمله اذا غطينا رأسه بدت رجلاه واذا غطينا رجليه بدا رأسه ونجعل على رجليه شيئا من الاذخر ومنا من اينعت اى ادركت ثمرته اى كساء الملون وهو من صوف وذلك كناية عما فتح الله لهم فهو يهديها اي يجنيها، "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال له اعرابي: يا رسول الله من الذي قضى نحبه؟ فسكت ساعة ثم دخل طلحة بن عبيدالله وعليه ثوبان اخضران. فقال صلى الله عليه وسلم: اين السائل؟ فقال: ها انا ذا يا رسول الله. قال: هذا يعني طلحة من قضى نحبه" . قال عياض: وهذا ادل دليل على ان النحب ليس من شرطه الموت، وفي الحديث: "من أحب ان ينظر الى شهيد يمشي على الأرض فلينظر الى طلحة" . وقال معاوية بن ابي سفيان: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: طلحة ممن قضى نحبه" . وروت عائشة نحوه وروي: "أَن ابنه موسى دخل على معاوية فقال له: ألا أبشرك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: طلحة ممن قضى نحبه" . وقال قيس بن حازم: رأيت طلحة أشلاء يوم احد ولعل القول بتوبة طلحة صحيح.
{ وما بدلوا تبديلا } ما تركوا العهد ولا غيره كما بدل المنافقون فذلك تعريض بتبديلهم.