خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً
٣٣
-الأحزاب

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وقرن في بيوتكن } أي اثبتن في بيوتكن لا تخرجن منها إلا بإذن رسول الله ولا تطلبنه الخروج في غير حاجة لا بد منها والواو عاطفة وقرر فعل وفاعل من قر يقر كعلم يعلم والأصل اقررن بهمزة وصل مكسورة وفتح الراء الأولى تقلب فتحتها للقاف قبلها فحذفت الراء لسكونها مع سكون الراء بعدها وقيل حذفت الراء الثانية وحذفت همزة الوصل لتحرك ما بعدها وذلك قراءة نافع وعاصم وقرأ غيرهما { وقرن } بكسر القاف من قر يقر كضرب يضرب والمعنى واحد والأصل اقررن بهمزة وصل مكسورة وكسر الراء الأولى نقلت كسرتها للقاف فاجتمعت راءان ساكنتان فحذفت احداهما كما مر وحذفت الهمزة لتحرك ما بعدها كما مر وحذفها سابق على حذف الراء وقيل بالعكس ويجوز على القراءة الاولى ان يكون من قار يقار كخوف يخاف من باب علم يعلم بمعنى الاجتماع فاذا لازمت البيت فقد اجتمعت مع البيت او مع من فيه ان كان فيه غيرها ويجوز على الثانية ان يكون من وقر يقر كوعد يعد بمعنى الوقار وهي العظم اي كن اهل وقار وثبات في البيوت فالمرأة المكثرة الخروج من بيتها يحقر شأنها.
{ ولا تبرجن } لا تظهرن الزينة ولا تتبخترن في مشيكن ومن ذلك البروج لظهورها وانكشافها للعيون والأصل ولا تتبرجن حذفت احدى التائين الأولى او الثانية قولان.
{ تبرج الجاهلية الأولى } هي ما بين سيدنا عيسى وسيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام وليس وصفها بالأولى لأن ثم جاهلية آخرة بل على ان المعنى الجاهلية التي قبل حالة الاسلام وهذا ما ظهر لي ثم رأيت عياضا اثبته ورجحه ونسب للحسن.
وقيل: وصفها بالأولى لأن ثم جاهلية ثانية وهي جاهيلة الاسلام وهو ما يعمل فيه الفساق من كبائر النفاق ويدل له قوله صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء
"إن فيك جاهلية قال: جاهلية كفر او اسلام؟ قال: جاهيلة كفر" فلعله صلى الله عليه وسلم اطلع منه على كبيرة شرك اتاها زلة لا عنادا فحذره منها وتاب او اراد ان فيك خصلة يعملها اهل جاهلية الكفر وليست خصلة كفر ولا فسوق مثل لبسة تلبسها الجاهلية لا تنكشف بها العورة او كلام تتكلم به لا كفر ولا فسوق فيه او نحو ذلك.
وقيل: تلك الجاهلية التي بين سيدنا محمد وسيدنا عيسى صلى الله وسلم عليهما هي الأولى والثانية يقوم عليها الساعة فانها تقوم على دين ابي جهل ولا تقوم حتى يعبد كثير أوثان الجاهلية الاولى وهو قول عن الحسن وابن سيرين ولا تقوم حتى لا يعبد الله في الأرض.
وقيل: الجاهلية الأولى الجاهلية التي ولد فيها ابراهيم عليه السلام كانت المرأة تلبس الذرع من اللؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال ولا شيء عليها سواه والثانية جاهلية ما بعد عيسى واي ما تبرج تبرجت المرأة ولو لم تنكشف عورتها فقد تبرجت مثل هذا التبرج الذي انكشفت فيه العورة.
وقيل: الأولى زمان داود وسليمان.
وقيل: ما بين آدم ونوح ومريم قصته في الأعراف.
وقيل: ما بين ادريس ونوح والثانية ما بعد عيسى.
ذكر الخازن عن ابن عباس رضي الله عنه: انه كان بين ادريس ونوح الف سنة وان بطنين من ولد آدم عليه السلام كان احدهما يسكن الجبل ورجالهم صباح الوجوه ونساءهم ذميمة والآخر يسكن السهل رجالهم ذميمة ونساءهم صباح الوجوه واتى ابليس رجلا من اهل السهل وأجره نفسه للخدمة فاتخذ مزمارا فأتى الناس يسمعونه واتخذوا عيدا يجتمعون اليه في السنة يتبرج الرجال للنساء والنساء للرجال وجاءهم رجل من الجبل في عيدهم فرأى نساءهم فأخبر اصحابه فنزلوا اليهم فظهرت الفاحشة فيهم فذلك الجاهلية الأولى وقد مر مطولا في الاعراف من عرائس القرآن.
{ وأقمن الصلٰوة } اي صلين بطهر وخشوع الصلاة الواجبة.
{ وآتين الزكٰوة } المفروضة لم يذكر المفعول الآخر لأن المراد اخراج الزكاة لا ذكر من يخرج اليه.
{ وأطعن الله ورسوله } فيما أمركن به ونهاكن عنه وذلك من عطف العام على الخاص وانما خص الصلاة والزكاة بالذكر لأنهما طاعتان بدنية ومالية هما اصل سائر الطاعات من اعتنى بهما جرتاه الى سائر الطاعات.
{ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } مستأنف لتعليل امرهن ونهيهن ولذلك عم في اذهاب الرجس ذكور اهل البيت ونسائهم ومفعول يريد محذوف اي يريد الله ذلك وليذهب تعليل للارادة او مفعوله مصدر يذهب واللام زائدة معناها التأكيد والرجس الذنب مطلقا وأصله ما يتقذر من نجس او وسخ استعير للذنب ورشح بالتطهير المذكور بعد فانه من لوازم النجس والوسخ وذلك تنفير عن الذنب فان عرض من يقترف الذنب والقبائح يتلون بها ويتدنس كما يتلون البدن بالأنجاس والأوساخ وعرض صاحب المستحسنات نقي طاهر وقيل الرجس الشيطان واهل منادى بحرف محذوف هو يا واختاره ابن هشام بل قال: انه الصواب ونداءهم واضافتهم للبيت وهو بيت النبي صلى الله عليه وسلم للتعظيم وفي النداء ايضا ايقاظ عن الغفلة وبيت الرجل اقاربه وقد يطلق كما هنا على اقاربه وعياله ويجوز ان يكون اهل منصوبا على الاختصاص ويضعفه قلته في الخطاب ويجوز كونه مفعولا لا مدح ويجوز كون البيت الكعبة فان النبي صلى الله عليه وسلم وأقاربه وعياله اولى بها.
وقيل: لا تعميم في الآية الا من حيث النساء فتشمل ازواجه وفاطمة رضي الله عنها.
وقيل: المراد هنا الأزواج له فقط وهن في بيته وعلى القولين فانما ذكر الضمير مراعاة لظاهر قوله { أهل البيت }.
وقيل: الرجس مما نهي النساء عنه من الخضوع بالقول وتبرج الجاهلية والخروج من البيوت ومعصية رسول الله.
وان قلت اذا كان المراد بيته صلى الله عليه وسلم الذي سكن فيه ازواجه فلم لم يقل البيوت؟
قلت: المراد الجنس فيشمل البيوت التي سكن فيها كلهن.
وقال: ابو سعيد الخدري ومجاهد وقتادة: اهل البيت فاطمة رضي الله عنها والحسن والحسين.
قالت عائشة رضي الله عنها:
"خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط اي كساء مرحل بالمهملة اي منقوش عليه صورة الرجل ولا بأس بنقش ما لا روح فيه او بالجيم اي منقوش فيه صورة الرجل اما بلا رأس واما قبل تحريم تصوير ما فيه الروح من شعر اسود فجلس فأتت فاطمة فأدخلها فيه ثم جاء علي فأدخله فيه ثم جاء الحسن فأدخله فيه ثم جاء الحسين فأدخله فيه ثم قال انما يريد الله الي تطهير او ذات غداة نفس الغداة وهي ما بعد الفجر وذات الشيء نفسه او ساعة صاحبة غداة اي هي بعض من ذلك الوقت.
وقالت ام سلمة: نزلت الآية في بيتي وانا جالسة في الباب.
فقلت يا رسول الله: ألست من اهل البيت؟ فقال: انك الي خير انت من ازواج النبي. قالت: وفي البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين فجللهم بكساء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا"
.
وفي رواية عنها "نزلت في بيتي فدعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فدخل معهم تحت كساء خيبري وقال: هؤلاء أهل بيتي وقرأ الآية وقال: اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
فقلت: وانا يا رسول الله؟
فقال: أنت من أزواج النبي أو انت الي خير"
.
وعن انس بن مالك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بباب فاطمة وعلي ويقوم عليه اذا خرج الى صلاة الفجر ويقول: "الصلاة يا أهل البيت انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا" ستة اشهر.
واستدلت الشيعة بتلك الأحاديث والآية على اختصاص اهل البيت بفاطمة وعلي والحسن الحسين وعلى عصمتهم وعلى كون اجماعهم حجة وليس بشيء لأن الاختصاص بهم لا يناسب ما قبل الآية وما بعدها والأحاديث على صحتها تقتضي كونهم اهل البيت لا انه ليس غيرهم ولا يلزم من ارادة اذهاب الرجس والتطهير اذهابه وتطهيرهم لأنها ليست بالارادة التي هي بمعنى القضى بل هي بمعنى ايجاد اسباب الطهارة والتعريض لهم بها وايجاد اسباب ذهاب الرجس فقد يقال تعدت الارادة باللام لتضمنها معنى التعرض فأما فاطمة فماتت ولم تحدث شيئا فرضي الله عنها واما علي فقد احدث ما علمت والمشهور انه لم يتب واما الحسن والحسين فمن والاهما فلست اقطع عذره والحسين احسن حالا وتبرأ بعض أصحابنا من الحسن وتوقف بعضهم ونسب بعضهم القول بأن أهل البيت الأربعة الى الجمهور والقول بأنهم ازواجه صلى الله عليه وسلم الى ابن عباس رضي الله عنه واختار عياض انهم الأربعة والأزواج.
وقال زيد بن ارقم: اهل البيت من حرم الصدقة بعده آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل عباس.