خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ٱللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيۤ أَزْوَاجِهِـمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
٥٠
-الأحزاب

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت } أي اتيتهن.
{ أجورهن } أي مهورهن لأن النساء أجيرات بمهورهن على فروجهن وانما قيل الاحلال الايتاء تعجيلا وندبا الى انهاء مهورهن اليهن وايثارا للافضل لا لكونها لا تحل الا ان اعطيت مهرها فانها تحل بدونه لنا على الصحيح وتأخذ صداق المثل وقيل العقر ولا سيما رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه لا صداق عليه.
{ وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك } من الكفار بالسبي كصفية وجويرية وما ملكت يمينه من غير مما أفاء الله عليه منهم كذلك ولكن خص التي أفاء الله عليه بسيفه لأنها اطيب ولانها بدء امرها ان يتسراها وقد ملك مارية بالهبة وتسراها فولدت له ابراهيم.
{ وبنات عمك وبنات عماتك } قيل اراد نساء قريش.
{ وبنات خالك وبنات خالاتك } قيل يعني نساء بني زهرة وقيل المراد بنات اخ الأب وبنات اخته وبنات اخت الأم وبنات اختها وحكم على غيرهن ممن يحل تزوجه بحكمهن وخصت هؤلاء بالذكر تشريفا لهن على هذا القول.
{ اللاتي هاجرن معك } او لم يهاجرن ولكن خص المهاجرات معه لفضلهن ويحتمل ان الله سبحانه حرم عليه صلى الله عليه وسلم وحده من لم تهاجر معه ويدل له ما ذكرت ام هاني بنت ابي طالب اني خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت اليه فعذرني ثم انزل الله هذه الآية فلم احل له لأني لم أهاجر معه كنت من الطلقاء اي من الذين اسروا وطلقوا وقيل كان شرط حل التزوج الهجرة في حق النبي صلى الله عليه وسلم وغيره ثم نسخ.
{ وامرأة } على ما قبل ويقدر له العامل اي وأحللنا لك امرأة.
{ مؤمنة } بمجرد الهبة لا صداق ولا ولي.
{ إن وهبت } هي أو أبوها لكن اشترط بعض الهبة لأب ان تكون المرأة بكرا.
{ نفسها للنبي } ولا اشكال في قوله احللنا لك امرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي من حيث ان الشرطية الدالة على الاستقبال حتى يدفعه القاضي بان المعنى بالاحلال والاعلام بالحل وانما نكر امرأة للتقليل اي ان اتفق ان امرأة وهبت لك نفسها فقد احللناها لك بمجرد هبته وعلى كلام القاضي يقال فقد اعلمناك حلها وقرأ الحسن بفتح همزة ان على ان مصدرية تقدر قبلها لام التعليل اي لان وهبت او بجعل المصدر من الفعل بعدها ظرف زمان من نيابة المصدر عن اسم الزمان اي وقت هبتها نفسها لك واذا حلت له في الوقت وقبل الهبة استمر الحل الى ان يحدث مانع وقرأ ابن مسعود باسقاط ان على ان جملة وهبت نعت لامرأة او حال منها ولو وهبت كتابية للنبي صلى الله عليه وسلم نفسها لم تحل له خلافا لبعض واختلف اصحابنا في انعقاد النكاح لنا بقول المرأة مع حضور الولي واجازته وهبت لك نفسي ويقول الولي وهبتها لك فقيل ينعقد وقيل لا بل يقول انكحتكها او زوجتكها وعيله الاكثر وابن المسيب والزهري ومجاهد وعطا ومالك والشافعي وقال النخعي والكوفيون بالأول واشترط بعضهم في انعقاد النكاح للنبي بالهبة ان لا تقتصر على لفظ الهبة بل تذكر معه لفظ التزويج والتمليك ونحوه كغيره وتقتصر على لفظ التزويج ونحوه بدون ذكر الهبة وصاحب هذا القول حمل الهبة في الآية على معنى انها ارادة التزوج به بلا مهر.
وعن ابن عباس رضي الله عنه ومجاهد لم تكن امرأة عنده صلى الله عليه وسلم بالهبة.
وقيل تزوج بالهبة ميمونة بنت الحارث وزينب بنت خزيمة ام المساكين الانصارية الهلالية وام شريك بنت جابر بن عوف من بني اسد وقيل من بني عامر بن لؤي وهي قريشية واسمها غزية وقيل بنت داود بن عوف وطلقها بعد الدخول وقيل قبله وقيل ام شريك عرية الانصارية من بني النجار وقيل ام شريك غزية بنت جابر الدوسية وخولة بنت حكيم وعن عائشة كانت خولة بنت حكيم من التي وهبن انفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك من عائشة دليل على انه كانت عنده بالهبة غير واحدة وهو ايضا مروي عن عروة بن الزبير وذلك خلاف قول الشعبي انه كانت عنده بذلك زينب بنت خزيمة وخلاف قول قتادة كانت عنده ميمونة بنت الحارث فقط وخلاف قول علي بن الحسين والضحاك ومقاتل كانت عنده ام شريك فقط وخلاف قول عروة بن الزبير كانت عنده خولة المذكورة وهي من بني سليم اللهم الا ان يقال يحتمل كلامها ان يكون معناه وهبن انفسهن سواء قبل منهن كما قيل عن خولة او لم يقبل ورد نكاحهن او تزوجهن بصداق فافهم ولا تتوهم وفي الصفوة ان الاكثر على ان الواهبة نفسها ام شريك غرية بنت جابر الدوسية فلم يقبلها ولم تتزوج حتى ماتت.
{ إن أراد النبي أن يستنكحها } السين والتاء هنا للعد اي ان اراد ان يعدها من جملة منكوحاته او للتصيير اي ان اراد تصيرها منهن والمراد ان قبل الهبة وان لم يقبل فلا تحل له وهذا فائدة الشرط كذا ظهر لي والحمد لله ورايت جار الله ذكره وفي قوله { إن وهبت نفسها للنبي } التفات من الخطاب للغيبة واما { إن أراد النبي } الخ فتبع له وقيل السين والتاء هنا للطلب على الأصل اي ان يطلب نكاحها من غير صداق.
{ خالصة } من المصادر الآتية على صيغة اسم الفاعل كالعاقبة والعاقية فيما قيل ومعناه خلوصا وهو مصدر مؤكد لاحللنا او هو وصفت حال من ضمير وهبت او من هاء في يستنكحها او نعت لمصدر محذوف اي هبة خالصة قيل او نعت للمرأة وقرىء بالرفع اي ذلك خلوصا لك او تلك المرأة خالصة.
{ لك من دون المؤمنين } التفت من الغيبة الى الخطاب وانما التفت هنالك من الخطاب للغيبة وهنا منها اليه ايذانا بأن الهبة مخصوصة به صلى الله عليه وسلم لشرف نبوته ولذا اعيد لفظ النبي بالاسم الظاهر فدل على انها تكرمة لاجل نبوته وتقريرا لاستحقاقه الكرامة لنبوته واستدل ابوحنيفة بالآية على جواز عقد النكاح بلفظ الهبة من الولي مثلا يحضره الشهود كما عقد للنبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الهبة منها بلا ولي وشهود لانه صلى الله عليه وسلم سواء في الأحكام هو وأمته الا ما خصه الدليل وأجازه الكرخي ايضا بلفظ الاجازة لقوله عز وجل { أتيت أجورهن }.
وقال ابو بكر الرازي: لا يصح لأن الاجارة عقد مؤقت وعقد النكاح مؤبد فهما متنافيان.
وقال الشافعي: خص رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعنى الهبة ولفظها جميعا لان اللفظ تابع للمعنى والمدعي للاشتراك في اللفظ يحتاج الى دليل وقيل يريد ربنا سبحانه بقوله { خالصة لك من دون المؤمنين } جميع هذه الاباحة لأن المؤمنين لم يبح لهم الزيادة على الأربع.
{ قد علمنا ما فرضنا عليهم } اي ما أوجبنا على المؤمنين.
{ في أزواجهم } من انهم لا يزيدون على اربع ولا يتزوجون الا بولي وصداق وشهود واذا اختلفت المرأة والزوج في الصداق كم هو ولا بينة فصداق المثل وقيل ما يقول الزوج قيل ويحلف وقيل لا بد ايضا من الشهود للنبي صلى الله عليه وسلم ومما فرض على المؤمنين دون النبي صلى الله عليه وسلم العدل.
{ وما ملكت أيمانهم } من انه يحل لهم تسري ما ملكوا بشراء او هبة او ارث او غير ذلك بلا عدد بشرط استبراء وقيل لا ان جاءته من طفل لا يمكن جماعه او من امرأة وليس الاشهاد شرط بصحة التسري.
{ لكيلا يكون عليك حرج } تضييق في النكاح متعلق بأحللنا وقيل بخالصة وما بينه وبين متعلقه معترض وانما وسع على المؤمنين في الايماء فقط بالتسري وانما اعترض بذلك قيل للدلالة على ان الفرق بينه وبين المؤمنين في نحو ذلك لا بمجرد قصد التوسيع عليه بل لمعان تقتضي التوسيع عليه والتضييق عليهم تارة وبالعكس اخرى.
{ وكان الله غفورا رحيما } غفورا لما يعسر التحرز عنه رحيما بالتوسعة في ذلك.