خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً
٧٢
-الأحزاب

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إنا عرضنا الأمانة على السمٰوات والأرض والجبال } أتحمل هذه الأمانة بما فيها قلن: وما فيها؟ قال: إن أحسنتن جوزيتن وظفرتن بالجنة وان أسأتن عوقبتن بالنار وقد ركب فيهن العقل اذ ذاك وذلك قبل خلق آدم.
{ فأبين } إمتنعن.
{ أن يحملنها وأشفقن منها } تعظيماً لدينه أن يضيعنه وقلن: لا نريد ثواباً ولا عقابا نحن مسخرات لأمرك وكان العرض عليهن تخييرا لا إلزاما وإلا لما أبين.
{ وحملها الإنسان } آدم وتلك الأمانة جميع الفرائض عند الجمهور وبه قال: ابن عباس والكلبي ومجاهد، قال الكلبي: قال الله عز وجل لآدم: إني عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال ولم تطقها وخافت ان لا تقوم بها فيلحقها العذاب فهل انت آخذها بما فيها؟ فقال: يا رب وما فيها، قال: إن أحسنت جوزيت وإن أسأت عوقبت فتحملها فقال: بين أذني وعاتقي فقال: أما إذا تحملت فسأعينك وأجعل لبصرك حجابا فاذا خشيت ان تنظر الى ما لا يحل سأرخ عليه حجابه وأغلق لحييك على لسانك إذا خفت منه وأجعل لفرجك لباساً فلا تكشفه على ما حرمت عليك. قال مجاهد: فما كان بين أن حملها وبين أن خرج من الجنة إلا مقدار ما بين الظهر والعصر. وقال ابن مسعود: الأمانة الصلاة والزكاة وصوم رمضان وحج البيت وصدق الحديث وقضاء الدين والعدل في الكيل والوزن وأشد من هذ كله الودائع حتى ان ابن عباس في رواية فسر الأمانة بالودائع والوفاء بالعهود، وقال زيد بن اسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أيأتمن الله ابن آدم على ثلاث الصلاة ولو شاء قال: صليت وعلى الصيام ولو شاء قال: صمت على الغسل من الجنابة ولو شاء قال: قد اغتسلت ثم تلا الآية وتلا يوم تبلى السرائر" وهذا قول ابن عباس في رواية إبراهيم بن محمد بن صلاح قال الله سبحانه: ثلاث من حفظهن فهو عبدي حقا ومن ضيعهن فهو عدوي حقا الصلاة والصوم والغسل من الجنابة: وقال عبدالله بن عمر وابن العاصي بإسكان الميم وإثبات الياء بعد الصاد وتركها أول ما خلق الله من الإنسان الفرج وقال: هذه الأمانة استودعكها الله فالفرج أمانة والإذن أمانة والعين أمانة واليد أمانة ولا إيمان لمن لا أمانة له، وقيل: صوم رمضان وغسل الجنابة وما خفي من الشرائع. ويجوز ان لا يكون تم عرض على السماوات والأرض والجبال حقيقة ولا على الانسان حقيقة ولكن المعنى انا خلقنا السماوات والأرض والجبال على حالة لا يليق بهن حمل الأمانة وخلقنا الانسان على حالة تقبل حملها فأمتناعهن عن الحمل عدم إمكان الحمل وقبول الانسان إمكان الحمل ويجوز ان يريد بقوله { فأبين أن يحملنها } فأبين أن يضمنها فان الشيء اذا ضيعته فأنت حامل له مترتب في ذمتك اي علمن انهن لا يقدرن فلو قبلتها لضيعتها وكان دينا عليهن، ومعنى حمل الانسان لها كونها دينا عليه لازما له معاقبا به لتضييعه إياها المترتب على قبوله إياها، وقيل: عرضت عليهن امانة وهن الخضوع والانقياد فامتنعن ان تكن حاملات لها اي ضامنات اي لا يضيعن فضلا عن ان يضمنها بل وفين بها بخلاف الانسان، وقيل: المراد عرضناها على أهلهن وهو الملائكة فانهم في الأرض والجبال والسماوات.
{ إنه كان ظلوماً } لنفسه إذ لم يفِ بها وعصى ربه.
{ جهولا } لأمر ربه وعاقبة حمل الأمانة وعاقبتها عدم الوفاء بها المترتب عليه المعاقبة. وقال الحسن: الإنسان الكافر والمنافق حملا الأمانة وخانا فيها، وقيل: الناس كلهم، والوصف بالظلومية والجهولية على هذا باعتبار الأغلب ولا يخفى أن الكافر والمنافق جاهلان لدين الله وأمره، والجملة مستأنفة او تعليل للحمل لكن على معنى قولك حملها لما سبق في علم الله أنه ظلوم لا يفي بها جهول وهذا التعليل مجاز بمعنى العاقبة والصيرورة او على معنى أنه حملها لانه كان ذا قوة غضبية وقوة شهوية خلق العقل لقهرهما.