{ وجاء من أقصى } ابعد.
{ المدينة } اي من جانبها الابعد وهي القرية المذكورة وهي انطاكية وهي مملكة الروم بنتها بنت قسطنطين وقد اخذها اهل الاسلام.
{ رجل يسعى } وهو حبيب النجار بتنوين حبيب والنجار صفته وسمى نجارا لانه قيل كان مشركا ينحت اصنامهم وتقدم سبب اسلامه وعلى هذا ليس بنبي فان النبي لا يشرك ولا يعمل الكبائر قبل البعثة وبعدها وهو ممن آمن بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبينهما ستمائة سنة كما آمن به تبع وورقة بن نوفل وقيل هو نبي ولم يشرك قط قيل كان في غار يعبد الله سرا فلما بلغه خبر الرسل اتاهم واظهر دينه ونازع الكفرة فقالوا وانت تخالف ديننا فوثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه. وقال ابن مسعود وطبو بأرجلهم حتى خرجت امعاءه من دبره وقال السدي رجموه وهو يقول اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون وقبره في سوق انطاكية فلما قتل هلكوا بالصيحة ويدل للقول بأنه لم يشرك بالله قط قوله صلى الله عليه وسلم " سباق الامم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفه عين علي بن ابي طالب وصاحب يس ومؤمن آل فرعون" رواه ابن عبدالرحمن ابي ليلى عن ابيه يعني السباق في الايمان فقد قيل اول من آمن من الرجال علي وقيل ابوبكر وقيل غير ذلك قال في عرائس القرآن لما قال لهم ما حكي الله عنه قتلوه ولم يكن احد يدفع عنه وقال الحسن خرقوا خرقا في حلقه وعلقوه في سور المدينة وقال بعضهم كان قصارا. وقال وهب كان يعمل الحرير وكان سقيما اسرع فيه الجذام وكان منزله عند باب من ابواب المدينة وكان يقسم كسبه وينفق نصفه على عياله ويتصدق بنصفه.
{ قال يا قوم } استعطاف.
{ اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا } على النصح وتبليغ الحق فتربحون خير الآخرة مع بقاء دنياكم لكم علم انهم لا يسألون الاجر من مشاهدة احوالهم ولم يرهم يسألون الاجر وعلم امر الآخرة من قبل ذلك او لكونه عرض عنهم الذهب فلم يقبلوه كما يأتي ان شاء الله.
{ وهم مهتدون } إلى خير الدنيا والآخرة رغبهم في الاتباع بعدم اخذ الأجر وسؤاله وبالاهتداء فان من هو مهتد حقيق ان يتبع وذلك من باب الايغال وهو لغة الايعاد في البلاد واصطلاحا ختم الكلام بما يفيد نكثه يتم المعنى بدونها فإن الرسول مهتد لا محالة لكن فيه زيادة حث على الاتباع وترغيب في الرسل بمعنى أنكم لا تخسرون معهم شيئا بل تربحون دنيا وأخرى وقالوا له أنت مخالف لديننا ومؤمن بإلههم فقال.
{ وما لي لا أعبد الذي فطرني } أوجدني بعد العدم.
{ وإليه ترجعون } بالبعث للجزاء بعد الموت ويجوز ان لا يقدر القول وعلى كل حال فإنما التفت من الخطاب إلى التكلم تلطفا في دعائهم إلى الحق إذ لم يقل وما لكم لا تعبدون الذي فطركم وذلك من باب المداراة ابرز مناصحتهم في معرض مناصحة نفسه تعريضا بهم فان هذا اذهب لنفارهم وغضبهم واجلب اذ لوح لهم إنه أراد لهم ما يريد لنفسه وعاد إلى الخطاب في إليه ترجعون تهديدا لهم ليكون قد اخلط السهولة ببعض الخشونة فان السهولة وحدها تبطر وتكسل ولم يخاطبهم في ومالي الخ، ويعتبهم في وإليه ترجعون لأن الفطرة اثر النعمة وهو عليه اظهر والرجوع زجر وهو بهم أجدر ولولا ذلك لقال وإليه ارجع ويسمى مثل ذلك من الكلام المنصف لأن من سمعه يقول لمخاطب قد انصفك ولأن المتكلم قد انصف من نفسه إذ حط مرتبته عن مرتبة المخاطب ويسمى ايضا استدراجا لاستدراجه الخصم إلى الاذعان وفي قوله ترجعون التفات إلى الخطاب من التكلم قبله ولا يقال ليس فيه التفات لأنه ليس خطابا لنفسه فيكون المعبر عنه واحدا لأنا نقول كما مر أن المراد بقوله ومالي لا اعبد الذي فطرني مالكم لا تعبدون الذي فطركم فالمعبر عنه في الجميع هم المخاطبون ولا يقال فالكلام إذاً وارد على مقتضى الظاهر لأنا نقول الالتفات أمر لفظي ولا يخفي ان الى واعبد وفطرني تكلم وترجعون خطاب ولو كانت الفاظ التكلم المذكورة في نية الخطاب وسكن حمزة ياء لي ثم رجع إلى التكلم في قوله { أءتخذ من دون آلهة } إلخ لأنه تكلم في امر الآلهة وقد اشتد حبهم لها ولو خاطبهم بها ونقصهم لازدادوا غضبا ونفارا عن الحق وهذا الاستفهام والذي تقدم انكاريان او توبيخان وفي الهمزتين ما مر في أءنذرتهم.
{ إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا } الجملة صفة الآلهة وعبر بالرحمن استجلابا لهم الى من هو رحيم رحمة لا تحصى وان قلت فهل لهم من شفاعة حتى قال شفاعتهم قلت المراد شفاعتهم على فرض ان لهم شفاعة وتقدير انهم شافعون فكيف ولا شفاعة لهم او المراد شفاعتهم التي يدعونها وشيئا مفعول تغني اي لا يكف غنى شيئا من الضر او مفعول مطلق اي لا تغن عني اغناء ما او نفي المـ؟؟؟ والمراد نفي السبب واللازم والمراد نفي الملزوم وقد زعمت المناطقة ان الكلية السالبة تصدق بنفي الموضوع.
{ ولا ينقذون } بحذف باء المتكلم واتبعها ورش في الوصل اي لا يخلصون من الضر كالمرض والعذاب والجوع.