خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
٩
-الزمر

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ } أي قائم بوظائف الطاعات مطلقاً وقيل الطاعات الواجبات وقيل القنوت الاقامة على الطاعة.
وقال ابن عمر: قراءة القرآن وطول القيام وحكي عنه أنه طول القيام في الصلاة.
وعن ابن عباس: القانت المطيع وقيل: قارئ القرآن وهو قول ابن عمر والاستفهام للتقرير أو للانكار ومن بالخفة مبتدأ خبرها محذوف أي أمن هو قانت كذلك الكافر المتمتع أو كغيره وذلك قراءة حمزة والحجازيين نافع وابن كثير ويقال لهما الحرميان أيضاً وقرأ غيرهم بتشديد الميم أي (أم من هو قانت خير) ويجوز على قراءة حمزة والحجازيين تقدير (أم من هو قانت خير أم هذا القارئ وأجاز القراء كون الهمزة للنداء في هذه القراءة أيا من هو قانت أنت من أصحاب الجنة) وأبعده ابن هشام بأنه ليس فى القرآن نداء بغير يا واعترض بأن له نظائر كاعهن والزبانية وضيري فانها ذكرت مرة فيه وأجيب بأن الكلام فيها احتمل وجهين أحدهما أقرب وأجازه ابن عطية وأبعده بأنه أجنبى عما بعد وعما قبل.
وأجيب بأن الأمر بالقول قبله والأمر بعده للنبي وهو مناسب له وقرب ابن هشام قول الفراء بسلامته من المجاز فان الاستفهام الانكارى والتقريري مجاز ومن دعوى كثرة الحذف أي (أمن هو قانت خير أم هذا الكافر) الا أن يقدر (أم من هو قانت كهذا أو كغيره) وذلك الحذف كله لدليل* { آنَآءَ اللَّيْلِ } أي ساعاته أوله وآخره ووسطه.
وقيل: الواحد إِنْو بكسر الهمزة وسكون النون وقيل: (أنيّ) كرضيّ أو (إِنْي بكسر الهمزة وسكون النون (وأنَي) بفتح الهمزة والنون والمراد بالقانت العموم.
وقال ابن عباس: أبو بكر وعمر، وقيل ابن مسعود وعمار وسلمان.
قلت: وأيضاً باق لان العبرة عندنا معشر الاباضية بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ولان تعليق الحكم بمشتق يشعر بالعليه فيدخل بالعلة كل من وجدت فيه وهي القنوت وزعموا عن ابن عمر أن المراد عثمان ولا صحة له وقال الفخر بعد حكايته الصحيح العموم* { سَاجِداً وَقَآئِماً } فى الصلاة والواو لعطف وصف على آخر لموصوف واحد وهما حالان من ضمير (قانت) وقرئ برفعهما على تعدد الخبر وفى الآية تنبيه على فضل قيام الليل وترجيحه على النهار لان الليل أستر فيكون أبعد عن الرياء ولأن ظلمة الليل تجمع الهمم وتمنع البصر عن النظر ويقل كلام الناس فيتفرغ القلب للطاعة ولأنه وقت النوم والراحة فيشق قيامه فيكون الثواب أكثر.
قال ابن عباس: من أحب أن يهون الله عليه الوقوف يوم القيامة فليره الله فى ظلمة الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه* { يَحْذَرُ الأَخِرَةَ } حال أو تعليل جملي استئنافي والمنهي يجتنب عذاب الآخرة ويخافه أي يترك أسبابه وهي المعاصي وقرئ يحذر عذاب الآخرة.

يا أخي قف على باب المناجاة وقوف لهفانواركب سفون الصلاح فهذا الموت طوفان

اخواني انما الليل والنهار مراحل ومراكب العمر قد قاربت الساحل، فانتبه لنفسك وازدجر يا غافل يا هذا أنت مقيم في مناخ الراحلين، ويحك اغتنم أيام القدرة قبل صيحة الانتزاع فما أقرب ما ينتظر وما أقل المكث فيما يزول ويتغير* { وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ } جنته وقيل مغفرته أضاف الرحمة الى نفسه في مقام الرجاء دون الآخرة وعذابها في مقام الحذر اشعاراً بأن جانب الرجاء أكمل وأولى أن ينسب اليه ولذلك رخص غير واحد أن يغلب الرجاء الخوف عند الموت بل قال انه أولى ويحرم خلو القلب من أحدهما.
دخل النبي صلى الله عليه وسلم على شاب وهو في الموت فقال له:
"كيف نجدك؟ فقال: أرجو الله يا رسول الله وانى أخاف ذنوبي فقال صلى الله عليه وسلم لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الوقت الا أعطاه الله ما يرجو وأمنه ما يخاف" .
وقال الله تعالى: "لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين من خافني في الدنيا أمنته في الآخرة ومن أمنني في الدنيا خوفته فى الآخرة"
{ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ } ما عند الله من الثواب والعقاب* { وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } ذلك وذلك انكار لاستواء الفريقين واحتجاج على نفي الاستواء بالعلم وعدمه لمزية العلم فهو أبلغ من قولك هل يستوى الفريقان والمراد بالعالمين العاملون ولكن أطلق العلم سبب العمل وفي ذلك ازدراء عظيم بهؤلاء العلماء المخالفين الذين يفتون العلوم ولا يعملون وبمن كان من أهل مذهبنا في هذا العصر يدعي العلم وهو خارج عنه ويفتن بالدنيا ويجوز أن يكون المعنى على التشبيه أي كما لا يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون كذلك لا يستوى القانتون والعاصون؛ وقيل: (الذين يعلمون) عمار وأصحابه و (الذين لا يعلمون) أبو حذيفة بن المغيرة المخزومي ومن معه فكل على كل حال فالآية متفتحة بالعمل مختتمة بالعلم والعمل مجاهدة والعلم مكاشفة فاذا اجتمعا دلا على الكمال والفضل.
واعلم أن المراد هنا اثبات العلم ونفيه لا بيان العلوم ولا بيان عموم المعلوم أو خصوصه (فيعلمون) الأول والثاني منزلان منزلة اللازم لا مفعول لهما مقدر ولا مذكور أي هل يستوى هؤلاء المؤمنون العالمون والكافرون الجاهلون وان شئت فقل هو كذلك لكن كني عن فعل له مفعول مخصوص دلت عليه قرينة فالمراد مطلق العالمين بغض النظر عن كونهم مسلمين وكافرين لكن ذلك كناية عن قولك هل يستوى المؤمنون العالمون كذا وكذا المشركون الجاهلون له وعلى الأول اقتصر السعد.
والظاهر عندي جوازهما معاً كما أثبتهما.
{ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ } أي لا يتعظ الا أصحاب العقول أي لا يؤثر التذكير والوعظ الا فيهم وقرئ (يذكر) بتشديد الذال أبدلت التاء (ذالا) وأدغمت في الذال وفى الآية تعريض بالكفار أنهم لا عقل لهم كالبهائم وان طبع التذكر منهم طبيعي من البهمة و (انما) للتعريض