خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً
١٦٤
-النساء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَرُسُلاً }: مفعول لمحذوف دل عليه، أوحينا أى وأرسلنا رسلا أو نبأنا رسلا، أو نصب على الاشتغال بما دل عليه قوله:
{ قَدْ قَصَصْنَاهُمْ }: أى وقد قصصنا رسلا قد قصصناهم.
{ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ }: فى الآيات التى نزلت، وذكروا فيها كما فى سورة الأنعام قالت اليهود: ما لموسى لم يذكر مع من ذكر فى الآية المذكورة قبل هذه، فنزلت هذه الآية يقول فيها قد ذكرناه قبل، وذكره أيضا آخر هذه الآية.
{ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ }: أى وأرسلنا رسلا لم نقصصهم عليك، أو نبأنا رسلا لم نقصصهم عليك، أو لم نقصص رسلا عليك لم نقصصهم عليك، فنصبه بمحذوف على غير الاشتعال، أو عليه كما مر فى الذى قبله، وعلى كل حال فمعطوف الواو فيهما هو ناصبهما المحذوف، واذا كان على غير الاشتغال فالجملتان بعد المنصوبين نعتان لهما، ومعنى قصصنا ذكرنا، ومن ذكره الله فى القرآن فهو أفضل ممن لم يذكره باسمه.
{ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً }: ألقى الله فى قلبه وسمعه كلاما سمعه من جميع جهاته الست، من غير أن يكون هناك لفظ ولا شفة ولا لسان، وذلك الكلام عرض خلقه الله لا من شىء ولا فى شىء، والله قادر على ذلك، ولو كان العرض فى الجملة لا يقوم بنفسه، وليس ذلك عندى بمستحيل فى قدرة الله، وما ذكرت من انه سمعه من جميع جهاته، ومذكور فى أثر، ويجوز أن يكون معنى تكليمه إلقاء معنى الكلام فى نفسه بلا سمع.
قال الفراء: العرب تسمى كل ما يوصل الى الانسان كلاما بأى طريق وصل، وقيل: معناه أنه خلق له الكلام فى جسم من الأجسام، ونسب للقدرية ولا مانع منه، وزعم قومنا أن التوكيد اللفظى مما يفيد رفع المجاز، فبنوا على ذلك أن الله كلم موسى بلا واسطة، ولا خلق كلام فى شىء، لأن تكليما مصدر مؤكد لكلم وهو فى معناه ولفظه، وكذا معناه دون لفظه كقمت وقوفا، وذلك خطأ منهم فى صفة الله عز وجل، ولو صح فى نفسه بل التوكيد يأتى عند التحقيق بحسب ما أكده به من حقيقة أو مجاز بقرينة ظاهرة أو خفية حالية أو مقالية.
فلو قيل: جاء أسد أسد وأريد الرجل الشجاع، ونصبت قرينة خفية ينفطن لها بعض الناس لجاز، ثم رأيت ما يقرب مما ذكرت فى كلام ابن هشام اذ قال: الظاهر أن التوكيد يبعد ارادة المجاز، ولا يرفعها بالكلية، لأن رفعها بالكلية ينافى الاتيان بالألفاظ متعددة، ولو صار بالأول نصا لم يؤكد ثانيا، ثم ان القائل لذلك فى الآية يرى أن كلام الله الحقيقى هو ما بألفاظ بلا واسطة، وغاب عنه أن حقيقة كلامه اما خلق الكلام من ناطق حاشاه، أو مجرد نفى الخرس أو وحيه، وأنه لا يجوز وصفه بالنطق واللفظ.
وأعظم من ذلك ما زعموا عن كعب الأحبار: أنه لما كلم الله سبحانه موسى بجميع اللغات، وقال بعد كل لغة: يا رب لا أفهم، حتى كلمه بلغته آخرا ففهمها قال: يا رب هذا كلامك؟ قال: لو سمعت كلامى يعنى على وجهه بلا تسهيل لم تكن شيئا، فقال: يا رب هل فى خلقك شىء يشبه كلامك؟ قال: لا وأقرب خلقى شبها بكلامى أشد ما يسمع الناس من الصواعق، فهذا تشبيه لكلام الخلق بكلام الله جل وعلا، وتلويح بأن الله يخرج منه كلام يخرج من لسان المخلوق، وهذا يوجب الجسمية والتركيب والتحيز، وكل صفة عجز.
فان صح ذلك عن كعب فانما أرادرحمه الله أنه لو أراد لخلق كلاما فى جسم، أو فى الهواء، قلنا: الهواء جسم أم لم نقل أعظم من الصواعق لفعل، ثم انه لا يسلم كما علمت أن المجاز لا يؤكد بالمصدر مثل أراد به المتكلم عن نفسه الغلط أو الخطأ يشير به الى السامع أنى لم أغلط ولم أخطىء ولو تكلفنا هذا فى الآية تعالى الله عنهما لكان المعنى: وكلم الله موسى حقا لكنه ليس كلاما يخرج منه كما يخرج من المخلوق تعالى الله عن الظرفية والتحيز.