خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً
١٦٥
-النساء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ }: لأهل الايمان والطاعة بالجنة.
{ وَمُنذِرِينَ }: لأهل الشرك والمعاصى بالنار، ونصب رسلا على المدح، أى أعنى رسلا أو أمدح رسلا، أو ذكرت رسلا، أو يقدر أرسلنا رسلا، أو نعت لرسلا الذى قبله ثان، على أن لم نقصصهم نعت لرسلا، أو حال من هاء لم نقصصهم، وهو حال موطىء لمبشرين ومنذرين المرادين بالذات، كقولك: جاء زيد رجلا صالحا، فان زيدا معلوم أنه رجل، وانما ذكر تمهيدا لذكر صلاحه، أو حال كذلك من ابراهيم وسليمان وما بينهما فقط، لا مع غيرهم لاتحاد العامل، وهو أوحينا الثانى.
وفى ذكر التبشير والانذار ترغيب فى الايمان، وترهيب عن الكفر، واشارة الى أنه قد أرسل رسلا تبشر وتنذر، وليسوا كلهم تنزل عليهم كتب بمرة، بل شيئا فشيئا بحسب حاجاتهم وحاجات أقوامهم، لئلا يفروا من انزال الأحكام والأمور المخالفة لهم بمرة، ولتجدد حدة قلوبهم اذا كلت لا كما تقترحون، يا معشر اليهود من نزول الكتاب بمرة، وانزال التوراة على موسى جملة، ولا يقدح فى نبوة من لم ينزل عليه البتة، ولا يقدح فى نبوة من نزل عليه شيئا فشيئا، اذ خصه الله بالتكليم، ولكن قد صح أيضا أن الله كلم سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم، وأنه لا فضيلة لرسول أو نبى الا وله صلى الله عليه وسلم مثلها.
{ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ }: بعد ارسال الرسل بالوحى، فحجة الله على عباده فى وجود الله ووحدانيته اجمالا، العقل بالنظر فى بدن صاحبه وأحواله، وفى سائر الخلق وأحوالهم، وأما فى تفصيل ذلك وسائر الشرائع، فللرسل، وقد يقال: العقل وحده حجة فى أن للموجودات خالقا موجودا أوجدها لا أول له ولا آخر، ويعرف أنه الله بهذا الاسم بمنبه كملك ورسول،هذا تحقيق المقام، ومما دل على أن حجة الله الرسل قوله تعالى:
{ فيقولوا ربنا لولا أرسلت الينا رسولا } أى يعلمنا دينك { فنتبع آياتك } وقوله تعالى: { لقالوا ربنا لولا أرسلت الينا رسولا } وقوله تعالى: { أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم } وغير ذلك مثل قوله تعالى: { { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } }. قال سعد بن عبادة: " لو رأيت رجلا مع امرأتى لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتعجبون من غيرة سعد والله لأنا أغير منه والله أغير منى " ومن أجل غيرة الله حرم الله الفواحش ما ظهر منها وما بطن لا أحد أحب اليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث المنذرين والمبشرين، ولا أحد أحب اليه المدحة من الله، ومن أجل ذلك وعد الجنة.
ويروى: ولا شخص أحب اليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين، واللام متعلق بأرسلنا محذوفا، أو تنازع مدخولها مبشرين ومنذرين، وللناس خبر يكون، وعلى الله يتعلق بما تعلق به لله على طريق تعدد الخبر، أو يتعلق بقوله: للناس، أو لمحذوف حال من ضمير حجة فى للناس، ولا يصح أن يكون للناس حال من ضميرها فى على الله، على أن يكون على الله خبر يكون، فان الفاعل فى الحال حينئذ ليس فيه لفظ الفعل، وهو على الله فلا يتقدم عليه الحال على الراجح.
نعم يجوز أن يتعلق للناس بيكون، فالتحقيق عندى جواز التعليق بكان وأخواتها، وعلى الله خبر يكون، واسم كان فى جميع الأوجه هو لفظ حجة، ولا يتعلق على الله بحجة، لأنه لو كان فيه معنى المصدر وهو الاحتجاج، لكن معمول المصدر لا يتقدم عليه، نعم أجاز بعضهم تقدمه عليه اذا كان مجرورا بحرف مطلقا اذا كان لا ينحل الى الفعل، وحرف المصدر والمعمول هنا مجرور بحرف، وذلك الاسم لا ينحل الى ذلك، ويجوز أن يكون على الله حالا من حجة، وبعد متعلق بيكون أو بمحذوف نعت الحجة.
{ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً }: لا يغلب فيما يريد من الانتقام وغيره.
{ حَكِيماً }: فى أمره الذى دبره من أمر النبوة، وتخصيص كل نبى بنوع من الوحى والاعجاز، وعن ابن عباس رضى الله عنهما: أن رؤساء مكة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد إنا سألنا عنك اليهود وعن صفتك فى كتابهم، فزعموا أنهم لا يعرفونك، فأنزل الله عز وجل: { لكن الله يشهد بما أنزل اليك }.