خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً
٣٣
-النساء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ }: لكل متعلق بمحذوف مفعول ثان، لجعل، أو يتعلق يجعل على أنه مفعولاً واحدا أى اثبتا، وموالى جمع مَوْلى بمعنى مَن يلى التركة بأن يأخذها بالإرث، وتقدير الإضافة هكذا: ولكل تركه جعلنا موالى، أى وراثا، ومما بيان لتركه، المحذوف للتبعيض وهو متعلق بمحذوف نعت لتركة، وفصل بين البيان والمبين بما ليس أجنبيا، والوالدن فاعل ترك، ويجوز أن يقدر ولكل ميت جعلنا موالى، أى وارثا مما ترك فى هذا الوجه تتعلق من موالى لانه يتضمن معنى وارث، وهى للابتداء، فعلى هذا يكون فى ترك حصر يعود إلى كل ميت، ويكون الوالدن مبتدأ خبره { آتوهم } وما بعده معطوف عليهِ، لكن فى هذا الوجه الإختيار بالأمر، ويصح الاشتغال لرفع { الأَقْرَبُون } أو الوالدان مبتدأ خبره محذوف، أى سواء الوالدان والأقربون وفى هذين الوجهين فى إعراب الوالدان الأخيرين، بيان لموالى، وفيهما خروج الأولاد فإن { الأَقْرَبُون } لايتناولهم، كمالا يتناول الوالدان، وكذلك إذا جعلنا الوالدن خبر المحذوف، أى هم الوالدان والأقربون، ويجوز أن يقدر "ولكل قوم جعلناهم موالى "حظ" مما ترك الوالدان والأقربون" فيكون لكل متعلقا بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، وذلك المبتدأ هو لفظ "حظ" حذف وبقى نعته ونعته هو قوله { مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ } وجملة جعلنا موالى، نعت قوم، والرابط محذوف أى ولكل قوم جعلناهم موالى حظ مما ترك الوالدان، والأقربون كما علمت، قال ابن عباس الموالى هنا العصبة والورثة، وكذا قال غيره وعبارة بعض أن الموالى العصبة.
{ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } الذين مبتدأ خبره جملة الأمر بعده، زيدت الفاء بعده لشبهه باسم الشرط، أو منصوب على الاشتغال وزيدت الفاء فى المشغول لذلك أيضاً، أو معطوف على الوالدان، أو على الأقربون، وفى الوجهين السلامة على الإخبار بالطلب، وعلى الاخبار فالهاء للموالى، والجملة عليهِ مسببه عن الجملة المتقدمة، مؤكدة لها، والمعاقدة المحالفة والمعاهدة، وهى مفاعلة على بابها يعاهد كل من الرجلين الآخرَ عَلى أن عدوّ كل مِنا عدو للآخر، وحربُه، سلمهُ سلمهُ. والإيمانِ جمع يمين، بمعنى اليد اليمنى، أو بمعنى الحلف، وأسند المعاقدة إلى الأيدى لأنهم يتما سكون، بأيديهم اليمنى عند المعاقدة قصد الالتزام بالوفاء أو إلى الحلف، لأن العقد يؤكد به، فكان اليد أو الحلف هو المعاقد، ورابط الموصول محذوف، أى عاقدتهم إيمانكم، على حذف مضاف، أى عاقد عهودهم إيمانكم بنصب عهود وقرأ الكوفيون بإسقاط ألف عاقدت بتشديد القاف وإسقاط الألف، وهو مبالغة، فالذى عاقدت إيمانكم هم الخلفاء، يتوارثون بالحلف، والنصرة وكذا يعقد كل على الآخر، وذلك فى الجاهلية، وصدر الإسلام، وكان الحليف يرث السدس من مال حليفة، فنسخ بآيات الإرث بقوله تعالى:
{ وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض } فلو حالف ولم يترك وارثا ولا رحما لكان لحليفه السدس بلا نسخ، وقال أبو حنيفة الذين عاقدت إيمانكم أن يسلم الرجل من أهل الحرب فيقول للذى أسلم فى يديه: "واليتك على" أى أن مت فميراثى لك، وإن جنيت فعقلى عليك، وعلى عاقلتك فيقبل الآخر، فإذا جنى المولى الأسفل فعقله على عاقلة المولى الأعلى ولا يرث إلا أسفل منه ويرث الأعلى من الأسفل، إن لم يكن للأسفل وارث غيره. وعلى القولين ذكر الله ميراث القرابة والأزواج، ثم ذكر ميراث الحليف، وأجيز أن يراد بالذين عاقدت إيمانكم الأزواج الذكور والإناث فتكون المعاقدة، عقدة النكاح لأن الرجل عقدها والمرأة والوالى عقداها، فذلك مفاعلة لو "عقد" على الآخر عقدة لنفسه، وعقد نفسه لهُ والولى عقدها لهُ، وألزمه بها، والمشهور فى الآية أنها فى إرث المتحالفين كما فسرت به أولا وهو أنسب بالمعاقدة والإيمان، وبه قال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن، وفى رواية عن ابن عباس المراد الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينهم كانوا يتوارثون بهذه الآية ثم نسخ بأولى الأرحام وعن سعيد بن المسيب المراد الذين كانوا يتبنون. ثم نسخ إرثهم بأولى الأرحام وقيل النسخ فى ذلك كله بقوله تعالى: { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ } ولا نسخ إذا فسرنا الآية بالأزواج وكذا الانسخ إذا فسرنا الذين عاقدت أيمانكم بالمتحَالفين والنصيِب بالنصيب من النصرة، على الإسلام، والوفاء بحق الأخوة الإسلامية، وكذا إذا قيل إن الحلف فى الجاهلية كان على النصرة لا غير، قال صلى الله عليه وسلم: "أيما حلف كان فى الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة" أى بأن تكون النصرة بعد الإسلام على الإسلام، روى أنه صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح فقال: "ما كان من حلف فى الجاهلية فتمسكوا به، فإنه لن يزده الإسلام إلا شدة، ولا تحدثوا حلفاً فى الإسلام" ولفظ مسلم عن جبير بن مطعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حلف فى الإسلام وإنما حلف كان فى الجاهلية، لم يزده الإسلام إلا شدة" ، وكذا إن قلنا نزلت فى عبد الرحمن بن أبى بكر: أبى الإسلام فحلف أبو بكر لا يورثه، فأسلم فنزلت الآية ذكرت ذلك لداود بن الحصين أم سعد بنت الربيع، كانت يتيمة فى حجر أبى بكر الصديق.
{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيداً } رقيباً عليه لا يخفى عنه، قاله عطاء وقيل: يشهد على الخلق يوم القيامة، بما فعلوا فى الدنيا وهو تهديد ووعيد على مخالفة أمر الله من ترك إعطاء النصيب وغير ذلك.