خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً
٣٦
-النساء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَاعْبُدُواْ اللَّهَ }: وحدوه وافعلوا ما أمركم بفعله، وانتهوا عما نهاكم عنه، وذلك أن التوحيد من جملة العبادة والطاعة، وهو أفضلهما، وعن ابن عباس: اعبدوا الله وحدوه، والأولى للتعميم إلا أن أراد أفردوه بالألوهية والعبادة إلا أنه مع هذا يتكرر مع ما بعده من النهى، عن الإشراك، والظاهر أنه أراد بالعبادة فعل الطاعة وترك ما يترك لنهى الله عز وجل إلا التوحيد إلا أنه يدخل التزاماً إذ لا ينتفع بالطاعة إلا بعد التوحيد واعلم أن العبادة فعل الخير، وترك المنكر، إعظاماً لله تعالى، وقيل: هو كالطاعة فعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه للأمر والنهى، فشمل ذلك عبادة القلب والجوارح، قيل: العبودية: ترك الاختيار ملازمة الذلة، والافتقار، وقيل: العبودية أربعة أشياء: الوفاء بالعهود، والحفظ للحدود، والرضى بالموجود، والصبر عن المفقود.
{ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }: أى لا تشركوا بالله غيره، من صنم، أو كوكب، أو غيره، فـ { شَيْئاً } مفعول به واقع على الصنم ونحوه، أو لا تشركوا به إشراكاً فهو مفعول مطلق واقع على الإشراك، أى إشراكاً ما، ولو رياءً، وقصد التبرد أو إزالة الوسخ بالوضوء، أو بالاستنجاء، أو باغتسال الجنابة، أو الحيض، أو النفاس، واغتسال الجمعة وإحرام أو نحوه أو قصد إصلاح المعدة فى الصوم، وكإبطاء الإمام فى ركوعه ليلحق به من أحس بدخوله مقاربة إليه، ومع ذلك قصد بأفعاله المذكورة: العبادة فلا تنفعه، لأنه خالطها غيرها،
"قال معاذ بن جبل رضى الله عنه: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار، يقال له عفير، واسمه يعفور فقال: يا معاذ هل تدرى ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله؟ قلت الله ورسوله الله. قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئاً وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً، فقلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: تبشرهم فيتكلوا" ، ومعنى حق العباد على الله تعالى، ما وعده لهم، ولا واجب على الله، ومعنى قوله: لا يعذب من لا يشرك به شيئاً: لا يعذب من أخلص قلبه وعمله لله، بأن امتثل الأمر أو اجتنب النهى، ألا ترى أن الشرك فى الآية عم كل ما ليس بإخلاص؟ وانظر كيف أوجب العبادة أيضاً بقوله: { وَاعْبُدُواْ اللَّه } ومن نطق بكلمة الشهادة ولم يصل فرضه، أو لم يصم، أو لم يفعل مثل ذلك من الواجبات، فكيف يكون قد امتثل قوله تعالى { وَاعْبُدُواْ اللَّه } وأما قوله "لا تبشرهم فيتكلوا" فإنه بمعنى لا تبشرهم بذلك فيتكلوا عليه لعدم فهمهم معناه، إذ معنى الإشراك شامل الرياء، وسائر الكبائر، ولعلهم يفهمون أنه قول { إلهين اثنين } ونحوه ويجوز أن يكون هذا القول هو المراد بالشرك، لكن لعلهم لا يفهمون أن الشرط مطلق العبادة، وتكثير الحسنات، حتى تفنى كبائره فى حسناته وتبقى حسنة فصاعداً يدخل بها الجنة، غير مصر بخلاف نحو قول: { إلهين اثنين } فإنه لا حسنة معه وقد ذكرت هذا البحث فى شرح التبيين من النيل.
{ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً }: أى وأحسنوا بالوالدين إحساناً، فذلك من المصدر النائب عن فعل الأمر الناصب له، والإحسان بالوالدين: أن يقوم بخدمتهما ولا يرفع صوته عليهما، وينفقهما، ويفعل كل ما أمراه به، فما لم يحرم ما أمكنه، وما لم يمكنه فليلاطفهما فيه، وكذا ما تعسر، قال أبو سعيد الخدرى:
"إن رجلا أراد الجهاد فقال النبى صلى الله عليه وسلم أبواك أذنا لك؟ قال: لا. قال: فارجع واستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما" . قال أبو هريرة: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحبتى؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: ثم أمك. قال: ثم من؟ قال: أباك" . ويروى: "أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك فأدناك" . وهذا نص فى أن حق الأم أعظم من حق الأب. والبحث فى حقوق الوالدين فى شرح النيل، قال أبو هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "رغم أنفه رغم أنفه قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل بهما الجنة" والفروع فى الفقه، والباء للإلصاق أى: الصقوا الخير بهما، أو بمعنى إلى، أى: انهوا الخير إليهما.
{ وَبِذِى الْقُرْبَى }: متعلق بمحذوف، أى: وأحسنوا بذى القربى، ولم إحساناً، وقاله فى الوالدين إشعاراً بأن حق الوالدين أعظم، وهذا أولى من أن يجعل إحساناً فى نية التأخير إلى تمام قوله جل وعلا { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } هذا أيضاً جائز، وعليه فلا يقدر أحسنوا إلا قيل وبالوالدين فقط، ويكون قد أكد فى الكل وكرر الباء تاكيداً فى القرابة، ولم تكرر فى البقرة لأن ما فى البقرة حكاية حال بنى إسرائيل، لا تكليف لهذه الأمة، والمراد القرابة من الأب وجهة الأم أو جهتهما كالأخ والعم والخال والخالة، وأما الأجداد والجدات فداخلون فى الوالدين من الجهتين، واختار بعضهم دخولهم فى ذى القربى، لئلا يجمع بين الحقيقة والمجاز، يرى أن الوالدين حقيقة فى الأب والأم، والقائل بالأول يرى أن حقيقة فى الأجداد والجدات أيضاً، وذلك أن ولادة ولد الولد ولادة للجد أو الجدة بالتأخر، والقربى القرابة وأما الولد ففى طبع البشر الإحسان إليه فلم يذكر على أنه لا يدخل فى القرابة وقيل يسمى قريباً. قال أنس بن مالك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"من سره أن يبسط له فى رزقه وينسأ له فى أثره ويؤخر له فى أجله وعمره فليصل قرابته" .
{ وَالْيَتَامَى }: الأجانب، وأما اليتامى الأقارب فداخلون فى ذى القربى وذلك أن اليتيم مخصوص بالصغر، وعدم الوالد المشفق، والأم ولو كانت مشفقة عليه، إن كانت، لكن المرأة من شأنها العجز والاحتياج، ولو كانت ذات مال. قال سهل بن سعد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافل اليتيم فى الجنة هكذا" - وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً - يعن بفوته رسول الله صلى الله عليه وسلم، بيسير كما كانت فرجة يسيرة بين الإصبعين، وليس قدر الفوت تلك الفرجة فقط، ولكنهما تمثيل، ويحتمل أن يكون التفريج واقعة حال لا تمثيلا للتفاوت، فيكون التمثيل بزيادة الوسطى، وظاهر تنبيه هذا الصحابى على التفريج أنه فهم أنه تمثيل.
{ وَالْمَسَاكِينِ }: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"الساعى على الأرملة والمساكين كالمجاهد فى سبيل الله" وأحسبه قال: "وكالقائم الذى لا يفتر، وكالصائم الذى لا يفطر" .
{ وَالْجَارِ ذِى الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ }: أى والجار القريب بالنسب، والجار الذى ليس بذى قرابة، قال عطاء الخراسانى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجيران ثلاثة: جار له ثلاثة حقوق، وجار له حقان، وجار له حق واحد، فأما الذى له ثلاثة حقوق فالجار المسلم ذو القرابة، فله حق الإسلام حق القرابة، وحق الجوار، وأما الذى له حقان، فالجار المسلم: له حق الإسلام، وحق الجوار، وأما الذى له حق واحد: فالجار المشرك له حق الجوار" وكذا جار مشرك رحم، له حقان حق الجوار وحق القرابة، وسواء فى المشرك أن يكون كتابياً، أو كتابى بأن يدخل بأمان ويسكن فى دار أو بيت، ليسمع كلام الله، أو لعدم القدرة عليه، ولو كان غير كتابى أو كان كتابيا لا يعطى الجزية لعدم القدرة عليه، وقيل: الجار ذى القربى بنسب أو دين، والجار الجنب: البعيد بكونه ليس من القرابة أو بشركه. وقيل: الجار ذى القربى: الجار الذى هربت داره، والجار الجنب: الذى بعدت داره، والمشهور: أن الجيران اثنان، من اليمين وواحد من الشمال، ولا جار من أمام أو هدام إلا باتصال، وفتح كوة يتناولون منها، فالبعيد والقريب فى اليمين، وفروع الأ!واع فى هذه الآية فى الفقه. قال ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت - أو قال - حتى رأيت أنه سيورثه" . وعن عائشة مثله. وفى صحيح الربيعرحمه الله : حتى ظننت أن لا يبقى بمد شيئاً. أى لا يبقى جبريل بعد الجار شيئاً من التأكيد، بل يستغرقه فى الجار، أو لا يبقى الجار أو جبريل لورثته شيئاً، بل يورث جاره ماله كله، وهذا قبل نزول آية الإرث أو بعده، وخاف أن يتحول الميراث إليه والله أعلم "قالت عائشة؛ قلت: يا رسول الله إن لى جارين إلى أيهما أهدى؟. قال: إلى أقربهما منك باباً" أى: إلى أيهما أهدى قبل الآخر؟ لأن الإعطاء واجب للأيمن والأيسر القريب بابا والبعيد، أو أرادت: إلى أيهما أعظم العطية، فإن الأقرب أولى بتعظيمهما، ويعطى البعيد دونه، أو أرادت: إن لى جارين من جهة واحدة، فقال: أعطى القريب باباً، ولا يلزمك الآخر شىء، ولو كان من اليمين، وهو قول قيل به. قال أبو ذر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك" . وفى رواية "أوصانى خليلى صلى الله عليه وسلم: "إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها ثم انظر إلى أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف" . أى إلى من كان منهم فى بيته، حين الأكل فإنه أهل بيت بالكون فيه، والله أعلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لا يؤمن أحدكم والله لا يؤمن أحدكم والله لا يؤمن أحدكم قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذى لا يؤمن جاره بوائقه" وروى "لا يدخل الجنة من لا يؤمن جاره بوائقه" أى شروره. رواه أبو هريرة، وقال أيضاً: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا نساء المؤمنات لا تحقرن إحداكن لجارتها ولو كراع شاة" ويروى "ولو فرسن شاة" ، ويروى "جارة لجارتها" . ونساء: نكرة مقصوده، بأن جعلن كلهن كحاضرة معينة، فقصدهن تعريف، فنعت بالمعرفة وهو المؤمنات، أو منادى مضاف لمؤمنات إضافه موصوفة لصفة، او إضافة عام لخاص إضافة أو بيان، أو إضافة بعض الجنس لكله، بأن يضاف كل فرد إلى باقى جنسه كقوله تعالى { من رجالكم } أو أراد بالمؤمنات مؤمنات الأمم الماضية، وبالنساء: نساء هذه الآية، يضفن للمؤمنات من غيرها للمناسبة، ومعنى لا تحقرن إحداكن..ألخ: لا تحقر الآخذة ولا المعطية الكراع المنسوب لجارتها، تعطيها أو تأخذ منها، وهذه العمومة أولى من أن يقال المراد باحداكن المعطية، أى: أن تناول لجارتها أو الآخذة، على أن اللام بمعنى من، أى: من جارتها، تعطيها والفرسن: الظلف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" . وقرىء: "والجار ذا القربى" . والجار الجنب بالنصب على الاختصاص تعظيما لحق الجار وقرىء: والجار الجنب بفتح الجيم وإسكان النون، قيل يا رسول الله: فلانة تصوم النهار وتصلى الليل وفى لسانها شىء يؤذى جيرانها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا خير فيها، هى فى النار" . وقال صلى الله عليه وسلم: "والذى نفس محمد بيده، لا يؤذى أحد حق الجار إلا منرحمه الله ، وقليل ما هم، أتدرون ما حق الجار؟ إن افتقر أغنيته، وان استقرض أقرضته إن أصابه خير هنأته، وإن أصابه شر عزيته، إن مرض عدته، وإن مات شيعت جنازته" . وقال صلى الله عليه وسلم: "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره" رواه عبد الله بن عمر. ذكر فى صفوة التصوف وذكره الترمذى وقال: حديث حسن.
{ وَالصَّاحِبِ بالجَنْبِ }: قال ابن عباس هو الرفيق فى السفر، وقيل: زوجتك، وقيل: الذى يصحبك رجاء نفعك، وبالأول قال على وابن مسعود وابن أبى ليلى، وبالثانى قال ابن زيد، وقيل: الصاحب مطلقاً. روى
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه رجل، من أصحابه وهما على راحلتين، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم غبضة فقطع قضيبين أحدهما معوج، وخرج فأعطى صاحبه القويم، وحبس هو المعوج، فقال: كنت يا رسول الله أحق بهذا. فقال له: يا فلان إن كل صاحب يصحب الآخر فإنه مسئول عن صحبته ولو ساعة من النهار" وقيل: الصاحب بالجنب هو الذى صحبك ولو أدنى صحبة من أمر حسن، كتعلم وتصرف وصناعة وسفر وقعود بجنبك، ولومرة، فى المسجد أو فى مجلس علم، فلا تنس حقه فى حينه واجعله ذريعة إلى الإحسان ولو كان الإحسان يتفاوت بطول الصحبة، وقلتها والصحبة فى حين الشدة، أو الفتنة أو غير ذلك. وقد يتأكد حق الصحبة حتى يكون كحق القرابة، ويقال: صحبة عشرين يوماً قرابة، والباء متعلق بمحذوف، من حال من الصاحب، سواء أبقيت على معناها من إلصاق، أو جعلت ظرفية.
{ وَابْنِ السَّبِيلِ }: الذى ألقاه الطريق بمشيه فيه حتى وصلكم، واحتاج وانقطع به: يسمى ابن السبيل، لأنه ألقاه السبيل، كما تلقى الأم ولدها من بطنها، أو أبوه من صلبه، أو للزومه السبيل، كما يلزم الولد أباه وأمه، وقال الأكترون إنه الضيف بمر بك، أو يأتيك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" جائزته يوماً وليلة، والضيافة ثلاثة أيام وما سوى ذلك صدقة، فقيل: الجائزة هنا ما يتحفه به فى اليوم والليلة الأولين من تعظيم إضافته، وبعده يومان، وليلاهما يكرمه لما تيسر، فذلك ثلاثة، فكأنه قال: وإكمال الضيافة ثلاثة أيام بيوم الجائزة، وقيل الجائزة: ما يعطيه بعد ثلاثة أيام، يصل به من منهل إلى منهل، ولو كان هكذا لم تقل يوماً وليلة إلا أن يقال يغلب أن يكون يوم وليلة من منهل إلى منهل، وقيل الجائزة: ما يعطيه بعد ثلاثة أيام مما يكفيه يوماً وليلة، ويدل للأول وهو كونها ما يعطيه فى اليوم والليلة الأولين ما يروى يومه وليلته بالإضافة، والضيافة ثلاثة أيام. ويروى: ولا يحل أن يقيم عنده حتى يخرجه أى حتى يوقعه فى الضيق، أو فى الإثم، كما يروى حتى يؤتمه.
{ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }: من عبيد وإماء لا تكلفوهم ما لا يطيقون ولا تؤذوهم بالكلام الخشن، وأطعموهم واكسوهم ما يحتاجون إليه.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إخوانكم ملككم الله إياهم" ، ورواية: "رقابهم فأطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون، فإن كلفتموهم فأعينوهم" وقال: "إن الله ملككم إياهم ولو شاء لملكهم إياكم" . وعن أم سلمة قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من آخر وصيته عند موته الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل يلجلجها فى صدره، وما يفيض بها لسانه، عن الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المملوك أخوك، فإن عجز أى عن حمل شىء، أو تناوله فخذ معه أى أعنه - ومن رضى مملوكه فليحبسه، ومن كرهه فليبعه ولا تعذبوا خلق الله الذى خلق" . وعن أبى ذر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المملوكين: "أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما لا يطيقون" . وعنه صلى الله عليه وسلم فى العبيد: "إنهم إخوانكم وخولكم، جعلهم الله تعالى تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم، ويلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم بما يغلبهم، فإن كفلتموهم فأعينوهم عليه" . قال صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة سىء المملكة" . وقال صلى الله عليه وسلم: "حسن المملكة نماء وسوء الخلق شوم" . ويروى: "لا تستخدموهم وراء العتمة" ، ويروى: "لا تستخدمون بالليل" قيل: إلا أن يرضون بشىء وكذا إن لم يستقصوا خدمتهم بالنهار. وعن عمر رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم: "من ابتاع شيئاً من الخدم ولميوافقه شيمته فليبعه، وليختر من يوافق شيمته، فإن الناس شيماً، ولا تعذبوا عباد الله" . وكان آخر كلامه عند موته صلى الله عليه وسلم: "الوصية بالنساء والمملوك والصلاة" . "وكان رجلا بالمدينة يضرب عبده فيقول العبد: أعوذ بالله، فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسيد كان يريد ضرباً فطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعوذ برسول الله فتركه، فقال عليه الصلاة والسلام: الله عز وجل أحق أن يجار عائذه. فقال سيده: يا رسول الله إنه حر لوجه الله، فقال صلى الله عليه وسلم: والذى نفس محمد بيده، ولو لم تقلها" . ويروى "لو لم تفعل الفح وجهك سفع النار" ، وقيل: { مَاَ مَلَكَت أيْمَانُكُمْ } كل حيوان ملكتموه كعبد وأمة وبعير ودجاجة وحمار وفرس، والمتعارف العبيد والإماء، والإحسان إلى المماليك مطلقاً طاعة عظيمة.
{ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً }: يترفع عن أقاربه وجيرانه وأصحابه، ولا يرى لهم ما يرى لنفسه، ولا يلتفت لحقهم، ولا لحق غيرهم.
{ فَخُوراً }: يفتخر على الناس ويذكر فواضله وفضائله، تطاولا على من دونه، أو يفتخر بما أعطاه الله تعالى، ولا يشكره، قال ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرَّ ثوبه خيلاء" أى لا يرحمه، لأنك إذا اعتنيت بإنسان، وأردت الإنعام عليه نظرت إليه بعينك، وتفقدت أحواله. قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطراً" أى لغير الشكر وعنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينما رجل يمشى فى حلة تعجبه نفسه يرجّل شعر رأسه" وفى رواية - وقد رجل لمته - "يختال فى مشيته، إذ خسف الله به الأرض، فهو يتلجلج فى الأرض إلى يوم القيامة" وعن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بينما رجل كان ممن قبلكم يجر إزاره من الخيلاء خسف به فهو يتلجلج إلى يوم القيامة" وصح الحديث عندنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الفخر والخيلاء فى أهل الوبر والسكينة فى أهل الغنم" قال أبو هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم "الفخر والخيلاء فى الفدادين من أهل الوبر، والسكينة فى أهل الغنم" القدادون: الفلاحون والحراثون وأصحاب الإبل والبقر.