خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً
٨٣
-النساء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ }: بالنصر لسرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{ أَوِ الخَوْفِ }: بالهزيمة من الكفار، سواء أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحى عما أصابت السرية، أو أصابها أو أخبرهم غيره بسؤالهم أو بلا سؤال منهم، والهاء للمنافقين، أو لضعفة المسلمين، أو من قلت تجربته منهم أو لهؤلاء كلهم.
{ أَذَاعُوا بِهِ }: أى صرحوا به، وتحدثوا به، ولذلك تعدى بالباء أو هى زائدة أى أظهروه وشهروه، فما كان من أمن يذكره المنافقون منافقة بذكره، ليظهروا أنهم يحبون النصر للمؤمنين، أو يذكروه على وجه التحقير له، وما كان من خوف يذكروه منافقة باظهار أنهم توجعوا به.
وفى ضمن ذكره تعظيم له وكسر لقلوب المؤمنين، وأما من ضعف ايمانه ففيه طرف مما لحق المنافقين، وأما من قلت تجربته فما يؤتى الا من قبل قلتها، والجمهور أنها فى المنافقين، واعلم أن ضعفاء المؤمنين ومن قلَّت تجربته يسمعون الأمن أو الخوف من مخبر، أو وحى كما مر، أو من المنافين يرجعون بالخوف أو التحقير، واذا سمعوه أفشوه، فكان ذلك مفسدة ووبالا على المؤمنين، واذاء النبى صلى الله عليه وسلم.
{ وَلَوْ رَدُّوهُ }: أى لو ردوا ذلك الأمر الذى جاء وسمعوه.
{ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الأَمْرِ مِنْهُم }: كأبى بكر وعمر وغيرهما من ذوى البصائر، وقيل أصحاب السرايا والبعوث، كعلى وخالد بن الوليد وغيرهما من أمراء السرايا والبعوث، وانما قال: منهم مع أن أولى الأمر ليسوا من المنافقين، لأن المنافقين فى الظاهر من جملة المؤمنين، ولا إشكال فى ضعفاء المؤمنين ومن قلت تجاربه ومنهم حال من أولى.
{ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ }: يستخرجون تدابيره وعلمه، والاستنباط اخراج النبط وهو أول ما يخرج من البئر من الماء أول ما تحفر، استعير لما يستخرج بقوة الفهم، والذين يستنبطونه هم الرسول وأولوا الأمر منهم من جملة الناس، ومن للتبعيض كالتى قبلها، وتتعلق بمحذوف وجوبا حال من الواو أى لعلمه من هو من أهل الاستنباط منهم ما هو، وهل صح، وهل الفائدة فى اذاعته، وهل هى فى ترك اذاعته وعلم إما على بابه ومفعوله الثانى محذوف كما علمت، أو بمعنى عرف أو الذين يستنبطونه هم المنافقون أو ضعفاء المؤمنين، ومن قل تجربته أو كلهم، ومنهم متعلق بيستنبطونه، ومن للابتداء، والهاء فى منهم عائدة الى الرسول وأولى الأمر، أى لعلمه هؤلاء المذيعون، ويحصل لهم تحقيقه من الرسول وأولى الأمر، ويجوز تعليق من بعلم أى لعلمه هؤلاء من الرسول وأولى الأمر.
وروى
"أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه جاء وقوم فى المسجد يقولون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه قال: فقلت: يا رسول الله أطلقت نساءك؟ فقال: لا. قال عمر: فقمت على باب المسجد فقلت: ألا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطلق نساءه، فأنزل الله هذه الآية: { وَإِذّا جَآءَهُمْ آَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ } الآية قال: وأنا الذى استنبطه" ، وقرىء بسكون لام لعلمه الثانية تخفيفا من كسره.
{ وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ }: ببيان الشريعة بالوحى الى رسوله، فانه فضل من الله وانعام، أو فضله بالاسلام ورحمته بالقرآن. وقال الشيخ هود: فضل الله ورحمته القرآن.
{ لاتَبَعْتُمُ الشَّيطَانَ }: فى كفره وضلاله.
{ إِلا قَلِيلاً }: منكم كزيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، وقس بن ساعدة الايادى، وان قلت: قال أبو عبيدة: انما كره العلماء أن يجعلوا الاستثناء من قوله: { لاتَبَعْتُمُ الشَّيطَانَ } لأنه لا وجه له، لأنه لولا فضل الله ورحمته لاتبعتم الشيطان كلكم.
قلت: بل هو صحيح، لأن المعنى لولا فضل الله عليكم ورحمته بالقرآن والرسول، بقيتم على الضلال الا ذلك القليل، فانه على هدى قبل نزول القرآن، وبإرسال الرسول.
وعن ابن عباس، وابن زيد، والفراء: الاستثناء من قوله: أذاعوا، ورجحه الطبرى، وقال قتادة والحسن والشيخ هود وابن قتيبة والضحاك والزجاج: من قوله يستنبطونه، ويجوز أن يكون قليلا مفعولا مطلقا، أو ظرف زمان أى الا اتباعا قليلا بأن يتبعوه فى بعض الأشياء فقط، أو بأن يقل زمان بقائهم على الاسلام، ثم يرتدوا فانه ان ارتدوا عن قريب كان اتباعهم قليلا، ولو اتبعوه فى كل شىء، وكذا وجه الظرفية اذا ارتدوا عن قريب كان زمان اتباعهم قليلا، ولو اتبعوه فى كل شىء فبفضل الله ورحمته لم يرتدوا، والصحيح أن الاستثناء من قوله: { لاتَبَعْتُمُ } لقربه وفيه وجهان:
أحدهما: ما مر من أنه لولا فضل الله بالقرآن والرسول لاتبعتم الشيطان فى الضلال لعدم بيان الشريعة، وقد كانت شريعة عيسى وما لم ينسخ من التوراة كافيين قبل الوحى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعذر حينئذ فى جهلهما الا قليلا، فقد كانوا على التوحيد، وما وصل اليهم منهما صافيا لم يرتب فى تفسيره.
الثانى: أن المعنى لولا فضل الله عليكم ورحمته بالنصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لاتبعتم الشيطان فى الكفر، وقلتم: لو كان رسولا لكان منصورا الا قليلا يؤمن به، ولو لم ينصر ولكنه والحمد لله منصور.