خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ
٢٨
-غافر

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ } وقرئ بسكون الجيم اسمه حزقيل رضي الله عنه وقيل حزقيال وقيل اسمه شمعان وقيل حبيب وذكره الزمخشري (سمعان أو حبيب، وقيل: خربيل أو حزبيل.
وقال ابن اسحاق اسمه جبريل وابن عباس. وأكثر العلماء على الأول* { مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ } من أهل صفة الرجل وهو قوله من تقديم النعت بالظرف على النعت بالجملة* { يَكْتُمُ إِيَمَانَهُ } وهو أولى عند بعض وهو قريب من أقارب فرعون قبل ويدل له قتل فرعون أبناء الذين معه وقول هذا المؤمن
{ { فمن ينصرنا من بأس الله ان جاءنا } دليل ظاهر على أنه ينتظم لقوله.
قال مقاتل وهو ابن عم فرعون قال الرازى كان جاريا مجرى من ولي العهد له ومجرى صاحب السر له ومن قال انه قبطي ومن قال انه اسرائيلى ومن قال انه غريب موحد يظهر لهم انه على دينهم وهو على التوحيد فقالوا ان المراد بالآل القوم لا القرابة أو يعلقون من (آل) بكتم وقيل كان حزقيال مؤمن آل فرعون نجاراً وهو الذي نجر التابوت لأم موسى حين قذفته فى النيل قيل: كان خازناً لفرعون خزن له مائة سنة وكان مؤمناً مخلصاً يكتم ايمانه الى أن ظهر موسى على السحرة فأظهر أمره فقتل مع السحرة صلباً.
قال قومنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين علي بن أبى طالب وصاحب يس ومؤمن آل فرعون فهم الصديقون حبيب النجار مؤمن آل يس وحزقيل مؤمن آل فرعون وعلي مؤمن آل محمد صلى الله عليه وسلم وهو أفضلهم"
وانتهى. وذكر "وأبو بكر الصديق هو أفضلهم" . وسئل أبو الفضل ابن الجوهرى على المنبر أن يتكلم بشيء من فضائل الصحابة فأطرق قليلاً ثم رفع رأسه وقال:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن مقتدي

ما تريد بقوم قرنهم الله بنبيه وخصهم بمشاهدة وحيه وقد أثنى الله تعالى على رجل مؤمن من آل فرعون كتم ايمانه وأسره فجعله فى كتابه وأثبته فى المصاحف لكلام قاله فى مجلس من مجالس الكفر وأين هو من عمر بن الخطاب رضي الله عنه اذ جرد سيفه بمكة وقال: والله لا أعبد الله سراً بعد اليوم* { اَتَقْتُلُونَ رَجُلاً } هو موسى* { أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ } أي لأجل أن يقول والاستفهام توبيخي وتعجبي وانكاري واذا فسر القتل بارادته كان أبلغ فى الانكار قيل ويجوز أن يكون قوله أن يقول ظرف زمان نيابة أي وقت أن يقول أي (أتقتلونه) فى وقت القول بدون أن تفكروا وعلى تقدير لام التعليل كأنه قيل أترتكبون الفعلة الشنعاء التى هي قتل النفس المحرمة وما لكم علة قط فى ارتكابها الا كلمة الحق التى نطق بها وهي قوله (ربي الله) أي (ما ربي إلا الله) لتعريف الطرفين مع أنه لم يحضر لتصحيح قوله بينة واحدة بل بينات كما قال عز وجل* { وَقَدْ جَآءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ } التي رأيتم وعرفتم* { مِن رَّبِّكُمْ } من عند من نسب اليه الربوبية وهو ربكم لا ربه وحده وهذا استدراج لهم الى الاعتراف وتليين لشدة امتناعهم وكسر من سطوتهم واعتدائهم { وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ } يعود عليه كذبه لا يتخطاه ضرره فلا تحتاجون الى دفعه بالقتل.
{ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ } والمراد يصبكم لصدقه ولكنه جاء بما يداريهم به ويسلك معهم به طريق الانصاف فى القول ويأتيهم من جهة المناصحة ويعلم أنه أقرب الى تسليمهم لقوله وأدخل فى تصديقهم له وقبولهم وذلك انه قضي له بعض حقه فلا يظنون انه تعصب له ولذلك قدم الكذب وأطلق وأخر الصدق وقيده بالبعض كأنه قال لا أقل من أن يصيبكم بعض وعيده ويحتمل أن يريد بالبعض المصيب لهم ما يصيبهم فى الدنيا وهو أظهر احتمالاً عندهم وقال أبو عبيدة المراد بالبعض هنا الكل وأنشد قول لبيد:

تراك أمكنة اذا لم أرضها أو يرتبط بعض النفوس حمامها

(فتراكِ) اسم فعل بمعنى اترك كنزال أي أترك أمكنة اذا لم أرضها اذ لم ترتبط الحمام بعض النفوس أى كلها وهو يوم القيامة ورد بأن المراد بعض النفوس نفسه أي الى أن يموت من هو مشهور معروف لا يخفى ويجاب بأنه أراد أنه ذكر البعض ليوجب الكل فأشار بالبعض الى الكل ولا يقوم دليل على منع الكل فى البيت نعم هو محتمل فلا شاهد له فيه ومع أبى عبيدة غيره فى ذلك ولا خطأ فيه غايته انه أطلق اسم أحد الضدين على الآخر كقولك للسماء أرض أو أطلق اسم البعض على الكل ومن رد عليه كان أجفى من أن يفهم ما قلت وأيضاً يحتمل أن يريد أنه أطلق لفظ البعض وأراد الكل وهو العذاب كله وبقي البعض الآخر وهو النعيم وذلك أنه وعدهم بالنعيم ان آمنوا وبالعذاب ان كفروا فالعذاب كل لانه يصيبهم كله وعبر عنه بالبعض فكأنه قال يصيبهم بعض الوعدين وهو العذاب كله* { إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي } الى دينه* { مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } على الله هذا من كلام المؤمن ولما ينقض وهذا احتجاج ثالث والأول { أتقتلون } الخ* والثاني { وان يك كاذباً } الى { يعدكم } والمراد بهذا الثالث اما الاحتجاج لموسى بأنه نبي ولو كان مسرفاً كذاباً لما هداه الله الى البينات وعضده بالمعجزات وذلك قضية من الشكل الأول وأما من أخذله الله وأهلكه فلا حاجة الى قتله فانكم متخلصون منه بلا قتل.
قال القاضي ولعله أراد المعنى الاول وخيل اليهم الثاني لتليين شكيمتهم وعرض به لفرعون فانه مسرف كذاب لا يهديه الله الصواب قيل ما تلقاه أبو بكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد مما تولاه المؤمن من فزع من طوافه فأخذوه بمجامع ردائه فقالوا أنت تنهانا عما يعبد آباؤنا فقال نعم فقام أبو بكر فالتزمه من ورائه رافعاً صوته { أتقتلون رجلاً أن يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات } قال ذلك وعيناه تسفحان حتى أطلقوه قال عمرو بن العاص أشد ما فعل المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي بفناء الكعبة وأقبل عقبة بن أبى معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه فى عنقه وخنقه خنقاً شديداً فأقبل أبو بكر رضي الله عنه فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال { أتقتلون رجلاً أن يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم }.
وعن جعفر الصادق ان مؤمن آل فرعون قال ذلك سراً وأبو بكر قاله ظاهراً