خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ
٣
-غافر

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ غَافِرِ الذَّنبِ } ساتره وهو صفة ترغيب* { وَقَابِلِ التَّوْبِ } أى الرجوع الى الله وهو صفة ترهيب.
قال ابن عباس: غافر الذنب لمن قال: (لا اله الا الله) وقابل التوب لمن قال: (لا اله الا الله)* { شَدِيدُ الْعِقَابِ } لمن لا يقول: (لا اله الا الله). قلت: قابل توبة المشرك والمنافق شديد العقاب لمن مات منافقاً أو مشركاً وشديد العقاب صفة ترهيب* { ذِى الطَّوْلِ } صفة ترغيب والطول بفتح الطاء الغنى والسعة وقيل الفضل والنعم وقيل الفضل بترك العقاب وأصله الانعام الذي تطول مدته على صاحبه والطول بضم الطاء ضد القصر.
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه افتقد رجلاً ذا بأس من أهل الشام فقيل له تتابع في هذا الشراب فقال عمر لكاتبه أكتب من عمر الى فلان سلام عليكم وأنا أحمد اليك الله الذي لا اله الا هو بسم الله الرحمن الرحيم { حم تنزيل } الى قوله { الْمَصِيرُ } وختم الكتاب وقال لرسوله لا تدفعه اليه حتى تجده صاحياً ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة فلما أتته الصحيفة جعل يقرأها ويقول قد وعدني الله أن يغفر لي وحذرنى عقابه فلم يزل يرددها حتى بكى ثم نزع فأحسن النزوع وحسنت توبته فلما بلغ عمر أمره قال هكذا اذا رأيتم أخاكم قد زل فسددوه ووفقوه وادعوا الله أن يتوب عليه ولا تكونوا أعوانا للشياطين عليه وانما أمرهم بالدعاء له ودعوا لجواز الدعاء بالهداية والتوبة لمن ليس في الولاية.
واشتهر عن جمهور الأصحاب المنع وانما الواضح أن لا يدعى له بغفران الذنب أو دخول الجنة ولو استلزمتها الهداية والتوبة وغير واحد من الأنبياء يقول (اللهم اهد قومي) وقومه مشركون وانما جاء بثلاث صفات للرغبة وبواحدة للرهبة متوسطة بين الثلاث دلالة على أن رجحان رحمته على غضبه واحاطتها به وانما قرن (قابل) بالواو التى تفيد مطلق الجمع ليفيد الجمع للمذنب التائب بين رحمتين بين أن يقبل توبته فيكتبها له طاعة من الطاعات وأن يجعلها محاة للذنوب كأنه لم يذنب كأنه قال جامع المغفرة والقبول أو قرنه بالواو المفيدة للمغايرة اشعاراً بتعدد النعمة غفر الذنب نعمة وقبول التوب نعمة أخرى مغايرة لتلك اذ ربما يتوهم الاتحاد والأصل في العطف التغاير ولأن الغفر الستر فيكون الذنب كذنب باق فأعقبه بالتوب لأنه يمحو الذنب والتائب من ذنب كمن لا ذنب له وكل من (غافر وقابل وذي) نعوت عطف ثانيها وهن معارف لان اضافة الكل محضة وليس المراد (بغافر وقابل) الدلالة على الحدوث بل المراد الثبوت ولو أريد (يغفر ويقبل) الآن أو غداً لكانت لفظية وهما صفتان مشبهتان من جانب الثبوت فقط وأما (شديد) فصفة مشبهة اضافته لفظية وكأنه منون والعقاب مرفوع فاعله فهو لكونه نكرة بدل مقدم على نعت عند مجيز تقديمه وعليه الزجاج وعلى منعه وهو المشهور (فغافر وشديد وذي) ابدال على القول بجواز تعدد البدل أو كل بدل من الآخر قبله على قول جواز الابدال من البدل والكل مشتق الا (ذي) وفي ابدال المشتق خلاف منعه ابن هشام وان قلنا اضافة شديد محضة كما قيل فالكل نعوت ولولا هذه الاضافة بما فيها لأعرضنا الى النعت عن الابدال بالكلية ولما عرضت جعل من جعل الكل ابدالاً كما لو جاءت تفاعيل القصيدة كلها على (مستفعلن) الا جزءاً واحدا جاء على (متفاعلن) حكمنا عليها بأنها من الكامل ولولا هذا الجزء لقلنا من الرجز ومن أجاز كون المنعوت وصفاً أجاز كون (شديد) بدلا و (ذي) نعته ثم انه يجوز ابدال النكرة من المعرفة مطلقاً وقيل ان كانت بدل كل كما هنا وقيل ان وصفت أو أفادت ما لم يفد البدل وفي جعل (شديد) بدل بين الصفات الفضل به وبعامله المجدد بينها وكونه هو المقصود دون الموصوف وفي وصفه ما يقتضي أنه المقصود حيث وصف بما قبل البدل وما بعده وأجاز بعضهم نعت المعرفة بالنكرة فيجوز كون (شديد) نعتاً ولو نكرة وقيل هو نعت على تقدير (ال) حذفت لمطابقة الصفتين قبلها والصفة بعدها وقيل نعت اكتفاء بكونه على صورة المعرفة ومما يسهل جعل الكل ابدالا لا من اللبس واما من جهالة الموصوف وأبسط من ذلك في حاشية شرح القطر لي وعن أهل الاشارة (غافر الذنب) فضلاً و (قابل التوب) وعداً (شديد العقاب) عدلاً.
{ لآَ إِلَهَ إلآَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ } فرد أو تقديم اليه للحصر والمصير المرجع مصدر ميمي فمعناه الرجوع وانما يصار اليه ليجازى المطيع والعاصي وكونه الهاً واحداً يوجب الاقبال اليه بالكلية