خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ
٦
ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ
٧
-غافر

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } وعيده أو قضاؤه بالعذاب أو تحقق في الخارج ما قال وفي مصحف ابن مسعود (وكذلك سبقت كلمات ربك) أي (حقت كلمات ربك)*
{ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ } من قومك كما حقت على هؤلاء الكفار لأجل الكفر { أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ } بدل اشتمال أن أريد بكلمات ربك الألفاظ بأن الألفاظ مشتملة على المعاني والمعاني سببتها وبدل كل ان أريد بها المعاني وهى الوعيد أو القضاء وأريد بالوعيد والقضاء الموعود المقصود وزعم القاضي أنه بدل كل ان أريد اللفظ واشتمال ان أريد المعنى ويجوز أن يكون على تقدير لام العلة أي لانهم وجمع (كلمات) قراءة نافع وابن كثير وقرأ الباقون بالافراد { الَّذِينَ } مبتدا { يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ } حمل حقيقة على الصحيح بأن الاصل الحقيقة ولا دليل على المجاز والدلائل كرواية كونه على عواتقهم وكواهلهم وكونه يحمل يوم القيامة بثمانية ثقلة وهو الآن أربعة والاصل حمل ذلك على ظاهره وكذلك خفيف الملائكة حوله حقيقة وزعم القاضي أن الحمل والحفيف مجاز عن حفظهم وتدبيرهم له وكناية عن قربهم من رحمة ذي العرش ورضاه وتوسطهم في نفاذ أمره.
وقرأ ابن عباس (العُرش) بضم العين.
روي أن حملة العرش أقدامهم في الأرض السفلى ورؤسهم قد أحدقت بالعرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم وهم أشد خوفاً من أهل السماء السابعة وأهل السابعة أشد من السادسة وهكذا وقال صلى الله عليه وسلم:
"أذن لي أن أتحدث عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة أذنيه وعاتقه مسيرة سبعمائة سنه وروي سبعمائة عام وبين أضلالهم وركبهم ما بين السماء والأرض" وقال صلى الله عليه وسلم "لا تفكروا في عظمة الله ربكم ولكن تفكروا فيما خلق من الملائكة فان خلقاً من الملائكة يقال له اسرافيل زاوية من زوايا العرش على كاهله وقدماه في الأرض السفلى وقد مرق رأسه من سبع سموات وانه يتصاغر من عظمة الله حتى يصير كأنه الوضع وليس من حملة العرش كما لا يخفي" .
وعن ابن عباس: حملة العرش ما بين كعب أحدهم الى أسفل قدمه مسيرة خمسمائة عام ويروى أن أقدامهم في تخوم الارضين أى أصولها وألأرضون والسموات الى حجرهم وهم أفضل الملائكة والصحيح ان جبرائيل أفضل.
وقال صلى الله عليه وسلم:
"ان الله تبارك وتعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلاً لهم على سائر الملائكة" أي ما خلا جبرائيل فيسلم وليسوا بأفضل منه وقال صلى الله عليه وسلم: "لعل لواحد منهم وجه رجل ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر ولكل واحد أربعة أجنحة جناحان على وجهه مخافة أن ينظر الى العرش فيصعق وجناحان يخفق بهما في الهواء والعرش جوهرة خضراء وهو من أعظم المخلوقات وبين كل قائمتين من قوائمه خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام وفي رواية ثلاثين ألف عام ويكسى كل يوم ألف لون من النور لا يستطيع أن ينظر اليه خلق من خلق الله والأشياء كلها فيه كحلقة في فلاة وبينه وبين السابعة سبعون ألف حجاب حجاب نور وحجاب ظلمة وهو قبلة لأهل السماء كالكعبة لأهل الأرض" { وَمَنْ حَوْلَهُ } العطف على (الذين) وحوله جانبه (والذين) حوله هم الكروبيون وعن بعضهم انهم أفضل الملائكة وساداتهم وأعلى طبقاتهم وأولهم وجوداً، قيل حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة يطوفون به مهللين مكبرين ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام قد وضعوا أيديهم على عواتقهم رافعين أصواتهم بالتهليل والتكبير ومن ورائهم مائة ألف صف قد وضعوا الايمان على الشمائل ما منهم أحد الا وهو يسبح بما يسبح به الآخر وفي رواية يدبر ويقبل صف واذا استقبل بعضهم بعضاً هلل هؤلاء وكبر هؤلاء ومن وراء هؤلاء الصفوف سبعون ألف صف قيام أيديهم على أعناقهم وعواتقهم اذا سمعوا تكبير هؤلاء وتهليلهم رفعوا أصواتهم بقولهم سبحانك وبحمدك ما أعظمك وأحلمك أنت الله لا اله غيرك أنت الأكبر والخلق اليك كلهم راجعون.
وصرح بعض أصحابنا بمنع (ما أفعل) في صفات الله مثل (ما أعظمه) و (ما أحلمه) والصحيح الجواز لكثرة وروده في الحديث ومن وراء هؤلاء مائة ألف صف من الملائكة وضعوا اليمنى على اليسرى ليس منهم أحد إلا يسبح بتحميد لا يسبحه الآخر ما بين جناحي أحدهم مسيرة ثلاثمائة عام وما بين شحمة أذنه الى عاتقه أربعمائة عام.
قال قومنا: واحتجب الله من الملائكة الذين حول العرش سبعين حجاباً من ظلمة وسبعين حجاباً من نور وسبعين حجاباً من در أبيض وسبعين حجاباً من ياقوت أحمر وسبعين حجاباً من زبرجد أخضر وسبعين حجاباً من ثلج وسبعين حجاباً من برد وما لا يعلمه الا الله عز وجل.
قلنا معشر الأباضية: من قال ذلك كفر لانه يلزم منه أن يكون مقابلاً للحجاب غير محتجب عنه والحجاب خلق ومرتفعاً به ومحتاجاً اليه ومحدوداً بحجاب وأمان يقال احتجب عن خلقه بمعنى امتنع من أن يراه ويقابله فجائز وان صح ذلك حديثاً فمعناه احتجب أمر عظيم من أموره بذلك والله يعلمه ما هو* { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } ينزهونه عما لا يليق بجلاله ويعترفون بأنه المنعم على الاطلاق يذكرون الله بمجامع الثناء من صفات الجلال والاكرام ليس لهم كلام غير التسبيح والتحميد والتكبير والتمجيد.
قال ابن عباس: يقولون سبحان ذي العز والجبروت سبحان ذي الملك والملكوت سبحان الله الذي لا يموت سباح قدوس رب الملائكة والروح وينفون عنه الرؤية والملاقاة تعالى عنهما فايمانهم وايمان غيرهم بطريق النظر لا بالمعاينة والعبارة تقتضي أن الحمد حال والتسبيح أصل لان الحمد مقتضي حالهم والتسبيح مشعر به كذا قيل وجملة (يسبحون) خبر (الذين)* { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } فائدة هذا مع علمه من التسبيح والحمد اظهار فضل الايمان وتعظيم أهله ومساق الآية لذلك وللاشعار بأن حملة العرش ومن حوله مع عظمهم آمنوا ولم يعاندوا وقيل قوله (ويؤمنون به) اطناب من حيث ان ايمانهم لا ينكره من يثبته وحسن ذكره اظهار شرف الايمان ترغيباً فيه ولقوله (يؤمنون) به فائدة أخرى وهي التنبيه على أن الأمر لو كان كما تقول الفرقة الضالة الواصفون الله بالجسم أن حملة العرش ومن حوله معاينون لله حاشاه لما وصفوه بالايمان أي التصديق وانما يوصف به الغائب ولما وصفوه به على سبيل الثناء علم أن ايمانهم بطريق النظر والاستدلال كغيرهم وقد راعى المناسبة بينهم وبين غيرهم في الايمان بغير المعاينة بقوله:
{ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } مع قوله ويؤمنون به كما تقول (زيد مذنب يستغفر للمذنبين) وحاشا الملائكة عن الذنب وتقول (زيد كان فقيراً ويرحم الفقراء) كأنه قيل (ويؤمنون ويستغفرون ممن كان في مثل حالهم وصفتهم) وفي الاستغفار (للذين آمنوا) تنبيه على أن الاشتراك في الايمان يجب أن يكون أدعى شيء الى النصيحة وأبعثه على تمحيص الشفقة وان تفاوت في الاجناس وتباعدت الاماكن هذا سماوي وذا أرضي وذلك ملك وذاك انسان ولعظمة الايمان قارن وجانس بين المتباعدين أشد التباعد وبين المعصومين عن الذنب والمذنبين كثيراً فلا أخوة أقوى من أخوة الايمان وهذا الاستغفار منهم عوض عن قولهم
{ { أتجعل فيها من يفسد } ...الخ وتدارك فينبغي لمن تكلم في أحد بما يكره أن يستغفر له ان كان أهلاً للاستغفار وينفعه بشيء ان لم يكن أهلاً له وذلك ان كان ذلك التكلم على وجه غير مقبول في الشرع واستغفارهم طلبهم المغفرة لذنوب المؤمنين وطلب الرحمة.
قال رجل لبعض الصالحين ادع لي واستغفر لي فقال له: تب واتبع سبيل الله يستغفر لك من هو خير منى وتلا الآية قال بعضهم: وجدنا أنصح العباد للعباد الملائكة وأغش العباد للعباد الشياطين وتلا الآية وزعم القاضي أن استغفارهم شفاعتهم وحملهم على التوبة والهامهم ما يوجب المغفرة والمراد بمن في الأرض في (ويستغفرون) لمن في الأرض مؤمنو من في الأرض وقيل (يستغفرون) أيضاً للكافرين بمعنى طلب الهداية لهم وبين الاستغفار بقوله* { رَبَّنَا } الخ فلعله مفعول لمحذوف أي يقولون يا ربنا... الخ وهذا المحذوف في محل رفع خبر ثان للذين كما أن (يستغفرون) معطوف على الخبر أو على ما عطف على الخبر فهو في محل رفع أو ذلك المحذوف حال من (واو) يستغفرون وكما (يستغفرون) بما في الآية و (يسبحون) بما مر يفعلون بغير ذلك زعم شمر بن حوشب ان حملة العرش ثمانية أربعة يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك قال وكأنهم يرون ذنوب بني آدم وزعم هارون بن رباب أن حملة العرش ثمانية يتجاوبون بصوت حسن فأربعة يقولون سبحانك وبحمدك على حلمك بعد علمك وأربعة يقولون سبحانك وبحمدك على عفوك بعد قدرتك* { وَسِعْتَ كُلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً } رحمة منصوب على التمييز المحول عن الفاعل أى ربنا وسعت رحمتك وعلمك كل شيء وانما حول الاسناد عن الرحمة الى الله للاغراق في وصفه بالرحمة والعلم كأنه في ذات العلم ذاته العلم والرحمة الواسعان وللنه الفاعل لهما وقدم الرحمة لانها المقصودة بالذات هنا دون العلم وفي ذلك تنبيه على تقديم الثناء على الله لما هو أهله قبل المطلوب بالدعاء ولما ثنوا بذلك لمطلوبهم قالوا* { فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ } أي الذين علمت منهم التوبة ففيه مراعاة للصفتين المذكورتين قبل الرحمة والعلم* { وَاتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ } دينك الحق الذي جعلته طريقاً ودعوت العباد لسلوكه* { وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } نجهم منه وهذا معلوم من قوله { اغفر للذين تابوا } ولكن ذكره تأكيداً واشعاراً بشدة العذاب بحيث نه يطلب التحفظ منه.