خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ
١١
-فصلت

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ } أي عمد وقصد الى خلقها من (استويت) الى كذا توجهت اليه غير ملتفت الى غيره وهو من الاستواء ضد الاعوجاج قصد خلقها ولا صارف له عنه وقصده توجه حكمته وارادته وثم لتفاوت ما بين الخلقتين لا للتراخى في المدة لان السماء خلقت قبل الأرض { { والأَرض بَعد ذَلِكَ دَحَاها } ودحوها متقدم على خلق الجبال من فوقها. قاله القاضي والتحقيق انها للتراخى في المدة قيل كان عرشه على الماء وأخرج من الماء دخاناً فارتفع على الماء وعلا عليه فأيبس الماء فجعله أرضاً واحداً ثم فتقها أرضين ثم خلق السماء من الدخان المرتفع والاشارة في قوله تعالى بعد ذلك دحاها الى جرم السماء لا لوصفها ودحى الأرض وبسطها بعد خلق جرم السماء أو أراد بخلق الارض في يومين فضاءه بأن يخدشها فيها لا يجادها* { وَهِيَ دُخَانٌ } بخار كالدخان أمر الريح فضربت الماء وعليه العرش فارتفع منه البخار فخلق منه السماء.
{ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا } من الاتيان أي أتياً بما أدرت منكما وخلقته فيكما من التأثير وقبول الاثر وابراز ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة والكائنات المتنوعة فذلك بعد وجود جرمها أمرهما باتيان صفة فهناك محذوف أي أوجدهما فقال لهما أو معنى الامر ياتيان بالأمر بالوجود على أن الخلق السابق بمعنى قضائه أو تقديره في مدة مستقبله والترتيب لتفاوت الخلقتين أو للاخبار أو اتيان السماء وجودها وحدوثها واتيان الأرض أن تصير مدحوة أو المراد (ايت يا سماء مقيمة سقفاً لمن يكون في الارض وايت يا أرض مدحوة قرارا وفراشا لأهلك) كما تقول: (جاء عمله مرضيا) أو (لتأت كل منكما صاحبتها الاتيان الذي أريد وتقتضيه الحكمة من كون الأرض قراراً للسماء والسماء سقفا لها) ويقويه قراءة بعضهم (فقال لها وللارض وائتيا) بفتح الواو وهو فاء الكلمة وكسر التاء (وقالتا) (وائتيا) بفتح الواو وكذلك والتاء من المؤاتاة وهي الموافقة وتحتمل هذه القراءة معنى (وافقا أمرى ومشيئتي). وقرأ ابن عباس: (آتيا) بفتح الهمزة بعدها ألف وكسر التاء وقالتا: (أتينا، آتينا) بفتحها كذلك وفتح التاء أي أعطيا من أنفسكما من الطاعة ما أرتكما منكما* { طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } حال أي طائعتين أو كارهتين أو ذواتي طوع أو كره أو مفعول مطلق أي طعتما طوعاً أو كرهتما كرهاً والجملة حال أو طائعتين طوعاً أو كارهتين كرهاً واتيان طوع أو كره وذلك تمثيل للزوم تأثير قدرته فيهما وقيل التقدير (آتيا) طوعاً والا ألجأتكما أن تأتيا كرهاً* { قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } انما جمع صفتهما بالياء والنون مع انهما غير عاقلتين بوصفهما بوصف العاقل من الطوع والكره والخطاب والجواب وقيل لانهما حينئذ عاقلتان أوجد الله فيهما العقل وقيل تغليباً للعاقل لأن المعنى أتينا بمن فينا ومعنا مع انهما اثنتان باعتبار فتق كل الى سبع أو مجاز وقيل حقيق ثم ان الخطاب والجواب حقيقتان أقدرهما الله على الجواب الا أن ما فيهما غير موجود حينئذ فليس بمجيب ولا مخاطب أو الخطاب والجواب لا تحقيق فيهما والمراد تصوير أثر قدرته في المقدورات أي أراد اتيانها أي وجودهما فأتيتا ولم يمتنعا شبهما بالمأمور المطيع الوارد عليه أمر المطاع فذلك استعارة تمثيلية مركبة وهي تشبه حالا منتزعة من متعدد بحال منتزعة من متعدد شبة ارادة وجودهما أو عدم امتناعهما بأمرك أحد وطاعته لك أو شبهما بالمأمور والقول تخييل هذا ما ظهر لي وعن؛ بعض قال الله أخرجا ما خلقت فيكما من المنافع أما أنت يا سماء فاطلعى شمسك وقمرك ونجومك وأنت يا أرض افتقى أنهارك وأخرجى ثمارك ونباتك