خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ
٣٠
-الشورى

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَمَآ أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } فاسقاط الفاء عند نافع وابن عباس وهو قراءة ابن عامر وأردت بالاسقاط عدم الاتيان بها (وما) موصولة و (بما كسبت أيديكم) خبرها لا شرطية الا عند من أجاز حذف الفاء من الجواب مطلقاً والجمهور يقرأون بالفاء على انها زائدة في خبر ما الموصولة لتضمن معنى الشرطية أو رابطة على انها شرطية والباء سببية وما مصدرية أو موصول اسمي والايدي جمع يد والمراد تقبيح المعاصي الى الخلق فان ما يصيبهم من المكاره هو بسبب عملهم باليد أو غيرها وعبر بالأيدى لكثرة العمل بها والحاصل انه كنى بعمل اليد عن عمل الجوارح وغيرها والمراد بسبب بعض عملهم بدليل* { وَيَعْفُ } بحذف الواو عطفاً على جملة الجواب اذا جعلت ما شرطية والا فحذفها تخفيف وقرئ باثباتها استئنافاً { وَيَعْفُو } ويجوز العطف* { عَن كَثِيرٍ } أي فلا يصيبكم بسببه مكروه وذلك في المحرم وغيره فان المؤمن يصيبه مكروه لعمل قبيح صدر منه ويغفر له كثيراً بلا اصابة مصيبة أي شدة وبلاء.
وفي الحديث:
"ما من اختلاج عرق، ولا خدش عود، ولا نكبة حجر، الا بذنب، ولما يعفو عنه الله أكثر" . ورأى مرة الهمداني على ظهر كف شريح قرحة فقال: ما هذا قال: بما كسبت يدي ويعفو عن كثير.
وفي الحديث
"ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء فى الدنيا فبما كسبت أيديكم والله أكرم من أن يثنى عليكم العقوبة فى الآخرة وما عفا الله عنه فى الدنيا فالله أحلم من أن يعود فيه بعد عفوه" . قال علي: حق على المسلمين يعفون وهذا فى المؤمن وهو أرجى حديث وعن علي، هذه الآية أرجى آية في كتاب الله عز وجل وفي الحديث: "لا يصيب المؤمن شوكة فما فوقها الا رفع الله بها له درجة وحط خطيئة" .
وقال عكرمة: ما من نكبة أصابت عبداً فما فوقها الا بذنب لا يغفر الا بها أو درجة لا ترفع الا بها. وقيل لابى سليمان الداراني: ما بال العقلاء أزالوا اللوم عمن سواهم؟ فقال: لانهم علموا ان الله تعالى انما ابتلاهم بذنوبهم؛ قيل: من لم يعلم ان ما وصل اليه من الفتن والمصائب باكتسابه وان ما عفا عنه مولاه أكثر كان قليل النظر في احسان ربه اليه وقيل: أيضاً العبد ملازم للجنايات في كل أوان وجنايته في طاعته أكثر من جنايته فى معاصيه لان جناية المعصية من وجه وجناية الطاعة من وجوه والله مطهر عبده من جناياته بأنواع المصائب ليخفف عنه أثقاله في القيامة ولولا عفوه ورحمته لهلك فى أول خطوة وزعم بعضهم ان الآية مخصوصة بالمجرمين وما أصاب الانبياء والاطفال والمجانين والمؤمنين فللتعريض للأجر العظيم قلت بل يصيب الأطفال أيضاً من ذنوب آبائهم فيما قيل ويصيب الأنبياء أيضاً لشيء فعلوه أو زيادة درجة صبرهم وكذا المؤمنون.
وعن الحسن ان الله كتب عنده كتاباً ان ذنب كذا عقوبته كذا فيعفو عن أكثره
"وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجه رجل فقال: ما هذا؟ قال يا رسول الله كنت في طريق فرأيت امرأة فجعلت أنظر اليها حتى صدمت بوجهي الحائط ولم أشعر فقال صلى الله عليه وسلم: ان أراد الله بعبد خيراً عجل عقوبة ذنبه فى الدنيا واذا أراد بعبد شراً أمسك عليه بذنبه حتى يوافيه يوم القيامة ولا تزال البلايا بالمؤمن في جسده وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة" .
وروى بعضهم عن الحسن ان معنى الآية (في الحدود) أي ما أصابكم من حد من حدود الله فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير فيستره على العبد حتى لا يحد عليه