خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ
٢٠
-الأحقاف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَيَوْمَ } أي ويقال يوم* { يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى النَّارِ } وقيل مفعول لـ (اذكر) ويقدر القول بعد النار والعرض عليها هو التعذيب بها ودخولها قاله الحسن ويجوز أن يراد عرض النار عليهم فقلت مبالغة ويدل له قول ابن عباس: (يجاء بهم اليها فيكشف لهم عنها فهو كعرضت الناقة على الحوض).
وقال أبو حيان: لا قلب في نحو ذلك ورد هو على الزمخشري بان القلب ضرورة واذا صح المعنى بدونه فما لحامل عليه وعرض الناقة على الحوض والحوض على الناقة صحيحان.
قال تلميذ أبو حيان بهاء الدين السبكي: حكمة مدعي القلب ان المعروض ليس له اختيار والاختيار للمعروض عليه فعرض الحوض على الناقة لا قلب فيه لانها قد تقبله وقد ترده وعرضها عليه مقلوب لفظاً وعرض الكفار على النار ليس بمقلوب لفظاً لانهم مقهورون فكأنهم لا يختارون والنار متصرفة فيهم كما يقال عرضت العود على النار لانها تتصرف فيه والذي في الآية قلب معنوي والذي في عرضت الناقة لفظي* { أَذْهَبْتُمْ } بهمزة واحدة على الاخبار* { أَذْهَبْتُمْ }.
وقرأ ابن ذكوان: (أأذهبتم) بهمزتين مخخفتين من غير مد وقرأ هشام وابن كثير بهمزة ومد وهشام أطول مداً وعن ابن عامر ويعقوب بهمزتين بينهما ألف وعنهما أيضاً بهمزتين خفيفتين* { طَيِّبَاتِكُمْ } لذائذكم*
{ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا } باستيفائها فلا حظ لكم اليوم* { وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا } في الدنيا*
{ فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ } أي الهوان وقد قرئ عذاب (الهوان) أي عذاباً مقترناً بذل وخزي* { بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } تتكبرون* { فِي الأَرْضِ } عن الايمان والعبارة قيل أو على الناس* { بِغَيْرِ الْحَقِّ } بالشرك والتكذيب*
{ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ } وقرئ بكسر السين والباء للسببية وذلك سببان قلبي وهو الكبر وجارحي وهو الفسق.
وعن بعض المراد بالفسق الشرك و (ما) مصدرية أو اسم واقع على المصدر فالرابط محذوف أي بالكون الذي كنتموه تفسقوه والهاء ضمير المصدر وتفسقون خبر وبالكون الذي كنتموه تفسقون كذلك وقيل الاصل (بما كنتم تستكبرون به وبما كنتم تفسقون به) وهو من جهة الربط واضح جدا فاعلم ان الآية ولو كانت في الكفار المشركين فهي مزجرة ومنهاة للمؤمنين.
وقال أبو عبيدة في حديث عمر "لو شئت لدعوت بصلائق (الشواء أو الخبز الرقاق العريض) وصناب (الأصبغة المتخذة من الخردل والزبيب) وكركر (رص زور البعير)، وأسنمة وفي بعض الحديث:
"وأفلاذ (جمعٍ فلذ وهي قطعة الكبد)" وقال عمر: لو شئت لكنت أطيبكم طعاماً وأحسنكم لباساً ولكني أستبقى طيباتي وقال أتظنون انا لا نعرف طيب الطعام ذلك لباب البر بصغار المعز ولكني رأيت الله تعالى نعى على قوم انهم أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا. ذكره الربيع بن زياد وقال نحوه لخالد بن الوليد حين قدم الشام فقدم اليه طعاما طيبا فقال هذا لنا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا ولم يشبعوا من خبز الشعير فقال خالد لهم الجنة فبكى عمر وقال لئن كان حظنا في الحطام وذهبوا بالجنة فقد بانوا بوناً بعيداً وعن جابر بن عبدالله اشتريت لحماً بدرهم فرآني عمر فقال ما هذا يا جابر فقلت اشتهيت لحماً فاشتريته فقال أو كلما اشتهى أحدكم شيئاً اشتراه أما تخاف أن تكون من أهل هذه الآية { أَذْهَبْتُم طَيِّبَاتِكُم } الآية " قال عمر: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا هو متكئ على حصير أثر في جنبه وما في البيت شيء يرد البصر فقلت ادع الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم ولا يعبدون الله فاستوى جالساً ثم قال وفي شك أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا فقلت استغفر لي يا رسول الله" "ودخل النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الصفة وهم يرقعون ثيابهم بالأدم فقال أنتم خير أم يوم يغدو أحدكم في حلة ويروح في أخرى ويغدى عليه بجفنة ويراح عليه بأخرى ويستر بيته كما تستر الكعبة قالوا نحن يومئذ خير قال بل أنتم خير" أي الان وأراد باليوم وقت يفيض المال وقدم صحابي الى فضالة بن فضالة في مصر وقال لم آتك زائراً ولكن سمعت أنا وأنت حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجوت أن يكون عندك فقال: وما هو؟ فقال: كذا وكذا فقال: فما لي أراك شعثاً وأنت أمير المؤمنين قال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن كثير من الارقاء " وذكر الصحابة الدنيا يوماً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تسمعون ان البذاذة من الايمان ان البذاذة من الايمان" والبذاذة التقحل وعن ابن عبد البر: انه كان رث الهيئة وخرج في أصحابه الى البقيع فقال السلام عليكم يا أهل القبور لو تعلمون ما نجاكم الله منه مما هو كائن بعدكم ثم أقبل على أصحابه فقال هؤلاء خير منكم فقالوا: يا رسول الله اخواننا أسلمنا كما أسلموا وهاجرنا كما هاجروا وجاهدنا كما جاهدوا وأتو على آجالهم فمضوا فيها وبقينا في آجالنا فما يجعلهم خيراً منا قال هؤلاء خرجوا من الدنيا لم يأكلوا من أجورهم شيئاً وخرجوا وأنا الشهيد عليهم وانكم قد أكلتم من أجوركم ولا أدري ما تحدثون من بعدي فعلقوها وانتفعوا بها وقالوا ما نصيب من الدنيا ننتقص من أجورنا وكان اذا سافر آخر عهده بانسان من أهل بيته فاطمة وأول من يدخل عليه اذا قدم فاطمة فقدم من غزوة وقد علقت سترا على بابها وحلت الحسن والحسين قلبين من فضة لم يدخل فظنت انه منعه ما رأى فهتكت الستر وفكت القلبين عن الصبيين فانطلقا اليه يبكيان فأخذهما منهما قال يا ثوبان اذهب بهما الى آل فلان ان هؤلاء عليّ أكره أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا يا ثوبان اشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج وقالت عائشة رضي الله عنها ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير وروي يومين متتابعين حتى قبض ويأتي علينا الشهر ما نوقد ناراً انما هو الأسودان التمر والماء الا أن يؤتى باللحم.
وفي رواية تأتي ثلاثة أشهر وما نوقد ناراً الا التمر والماء وقد يسقينا لبناً ويبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله لا يجدون عيشاً وأكثر خبزهم الشعير.
وقال:
"لقد خفت في الله ما لم يخف أحد وأوذيت ما لم يؤذ أحد ولقد أتى علي ثلاثون من بين يوم وليلة ومالي ولبلال طعام الا شئ يوارى ابط بلال
"
. قال أبو هريرة: رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجل عليه رداء اما ازار واما كساء قد ربطوا في أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهة أن تبدو عورته وأتى عبدالرحمن ابن عوف بطعام صائماً. فقال قتل مصعب بن عمير وهو خير مني فكفن في بردة ان غطى رأسه بدت رجلاه وان غطيت رجلاه بدت رأسه وقتل حمزة وهو خير مني فلم يوجد ما يكفن فيه الا بردة ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط فقد خشيت أن نكون قد عجلت لنا طيباتنا في الحياة الدنيا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام