خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً
٢٧
-الفتح

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ لَّقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا } فان رؤياه واقعة لا محال في وقتها المقدر وهو العام القابل وقد وقع ذلك في النفوس حتى وقع في نفوس بعض المسلمين فاجابهم النبي صلى الله عليه وسلم هل قلت لكم يكون في عامنا هذا وقد نطق أبو بكر قبل بمثل ما قاله صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد كانت رؤياه بالحديبية فوثق الجميع بان الفتح في وجهتهم هذه وعن مجمع بن جوية الانصاري انصرفنا عن الحديبية اذا الناس يبزون الاباعير فقيل ما بال الناس قالوا أوحي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسرعنا فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم واقفا على راحلته عند كراع الغميم فلما اجتمع الناس قرأ { { إنا فتحنا لك فتحاً } فقال عمر أو فتح هو يا رسول الله قال نعم (والذي نفسي بيده) وفيه دليل على ان المراد بالفتح صلح الحديبية وقد مر الخلاف أو السورة والرؤيا منصوب على نزع الخافض اي في الرؤيا وهكذا في مثله كقوله تعالى { { صدقوا ما عاهدوا الله عليه } ومر توجيهه بغير ذلك* { بِالْحَقِّ } حال من الله او من رسوله او من الرؤيا او متعلق بصدق او بمحذوف صفة مصدر محذوف اي صدقا ملتبسا بالحق وصدق الرؤيا انها لم تكن من اضغاث الاحلام والحق خلاف الباطل والحكمة البالغة لما في ذلك من الابتلاء والتمييز بين الثابت على الايمان والمتزلزل عنه ويجوز كون { بِالْحَقِّ } قيما بالمعنى المذكور وانه اسم من اسماء الله عز وجل وجوابه* { لَتَدْخُلُنَّ } وان لم نجعل بالحق قسما فلتدخلن جواب لمحذوف او جواب لصدق فانهم قالوا ما يدل على التحقيق والقطع يجاب كالقسم* { الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللهُ } هذا تعليل للوعد بالمشيئة تعليما للعباد ان يقولوا في عداتهم ذلك متأدبين بادب الله ومقتدين بسنته والا فالله عالم جزما لا شك معه قال ثعلب استثنى الله فيما يعلم ليستثني الخلق فيما لا يعلمون وقال ذلك اشعارا بان بعضهم لا يدخل لموت او غيبة او مرض او غير ذلك فالشرط راجع الى الخلق من حيث انه اذا رد واحد منهم الوعد الى نفسه امكن ان يتم وان لا يتم لنحو (موت) وغيره او حكاية لما قاله ملك الرؤيا وكان ادخل في كلامه (ان شاء الله) أو حكاية لما قاله صلى الله عليه وسلم او لمجرد التوكيد والتبرك او لان المؤمنين يأبون الصلح ويريدون الدخول في عامهم فذكر (ان شاء الله) اشارة الى ان الامر بمشيئة وزعم بعض ان الشرط راجع الى الأمن لا الدخول لا شك فيها قلنا وكذا الا من لا شك وقيل (ان) بمعنى (اذ) وهو مذهب الكوفيين وكذا في كل ما تحقق وقد ذكر ذلك ابن هشام وقال ان قول بعضهم المراد { لَتَدْخُلُنَّ } جميعا ان شاء الله الا ان يموت منكم احد قبل الدخول لا يدفع السؤال وقيل انه يعني (قد) واعترض القول بالحكاية بان لا يصح ادخال شيء من كلام الغير من غير اعلام به ورد بوجوده مع قرينة والقرينة موجودة وهو الشك واعترض هذا بأن النبي والملك لا يشكان فيما اخبرا به عن الله واجيب بانهما لم يخبرا من الله على جهة الجزم وايضا كثيرا ما يعلق النبي في كلامه مع تحققه عنده وال في (المسجد) و (الشجرة) للعهد الذهني او التي في المسجد الحرام للذكرى* { آمِنِينَ } في الذهاب والرجوع وهذا الدخول الموعود به هو الذي وعده الكفار من عام قابل بعد الحديبية وآمنين حال مقارنة* { مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ } حالان مقدران وقيل الرؤيا وحي لا منام وقيل نزل { لَّقَدْ صَدَقَ اللهُ }... الخ يوم فتح مكة وعن ابي سعيد الخدري حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه يوم الحديبية الا عثمان وابا قتادة فاستغفر للمحلقين ثلاثا وللمقصرين واحدة ومعنى الآية محلقا بعضكم ومقصرا آخرون والتحليق ازالة الشعر كله والتقصير اخذ بعضه* { لاَ تَخَافُونَ } للحال مؤكدة المحال الاخرى وهي { آمِنِينَ } لا للعامل الا ان جعل حالا من ضمير { آمِنِينَ } أو استئناف اي لا تخافون بعد ذلك* { فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ } من الحكمة والصواب في تأخير فتح مكة الى القابل او من ان دخولكم في السنة المقبلة ولم تعلموا انتم* { فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ } اي قبل دخول المسجد أو قبل فتح مكة* { فَتْحاً قَرِيباً } هو فتح خيبر ليستريح اليه الأكثرون صلح الحديبية وبيعة الرضوان