خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ
٢
-الحجرات

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } لأن في الرفع عدم الاحترام زعم بعضهم انها نزلت لارتفاع صوت ابي بكر وعمر عند النبي صلى الله عليه وسلم والقصة المذكورة والصحيح انها بسبب عادة الاعراب من قلة الظرافة وعلو الصوت وقيل ذلك النهي اذا خوطب صلى الله عليه وسلم وليكن صوتكم دونه فتظهر مزيته وقيل الخطاب للمنافقين في المعنى وفي اللفظ للمؤمنين ليكون الأمر اغلظ على المنافقين وقيل كان المنافقون يرفعون اصواتهم ليظهروا قلة مبالاتهم به صلى الله عليه وسلم فيقتدي بهم ضعفة المسلمين وعن الحسن الخطاب للمنافقين لفظا ومعنى ولكن وصفهم بالايمان باعتبار ما اقروا به وقد كان من المسلمين من يرفع صوته عنه صلى الله عليه وسلم فلا ينهاه وانما عنى المنافقين الذين يريدون أذاه والاستخفاف به وقرأ ابن مسعود (بأصواتكم) بزيادة الباء لتأكيد النهي عن الواقع منهم وهو الرفع الشديد لا لجواز القليل واعاد النداء عليهم استدعاء منهم بتجديد الابصار عند الخطاب الوارد والتوطئة للانصات للحكم النازل وزجرا عن الغفلة والفتور عن تأملهم وعما يعملون بمحضره صلى الله عليه وسلم من الاذن الذي تعود المحافظة عليه بعظيم الجدوى عليهم في دينهم لأن في اعظام صاحب الشرع اعظام الشرع ومستعظم الشرع لا يدعه استعظامه ان يقصر في جدواه أو ان يفعل ما يصده عنه وكره رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم وبحضرة العالم وفي المساجد قال القاضي أبو بكر ابن العربي حرمته ميتا كحرمته حيا وكلامه المأثور بعد موته كالمسموع من لسانه ولكلامه المأثور مثل القرآن لأنه وحي فيجب اذا كان حديثه يقرأ ان لا يرفع الصوت عليه ولا يعرض عنه كما في حياته صلى الله عليه وسلم { وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } بل دون ذلك ودون الجهر الخفاء والمراد الينوا القول لينا قريبا من الهمس الذي يضادد الجهر كما يخاطب المهيب المعظم ولما نزلت الآية قال ابو بكر لا اكلمك الا السرار واخا السرار حتى القى الله وكان عمر بعدها كذلك لا يسمعه النبي صلى الله عليه وسلم حتى يستفهمه وكان ابو بكر اذا قدم وقد ارسل اليهم من يعلمهم كيف يسلمون ويأمرهم بالوقار عنده صلى الله عليه وسلم وعن ابن عباس نزلت في ثابت بن قيس بن شماس الخزرجي وكان في اذنه وقر وكان جهور الصوت ويتأذى صلى الله عليه وسلم بصوته وروي لما نزلت احتبس في بيته فسأل صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ ما شأن ثابت أشتكى؟ فقال انه لجاري وما علمت له شكوى فأتاه سعد فذكر له قوله نزلت الآية فقال: لقد علمتم إني من أرفعكم صوتا فاخاف ان يكون قد حبط عملي وروي فانا من أهل النار فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم ما قال فقال: بل هو من أهل الجنة وروي انه دعاه فقال اني جهير أخاف ان يحبط عملي فقال صلى الله عليه وسلم "لست هناك تعيش وتموت بخير وانك من أهل الجنة" وروي انه لما نزلت قعد في الطريق يبكي فمر به عاصم بن علي فقال ما يبكيك فقال اخاف ان تكون نزلت فيّ وغلبه البكاء فاتى زوجته جميلة بنت عبيد الله بن أبي سلول فقال اذا دخلت بيت فرسي فشدي على الضبة بمسمار ولا اخرج حتى يتوفاني الله او يرضى عني رسوله فاخبر عاصم النبي صلى الله عليه وسلم فارسله اليه ولم يجده في الطريق ووجده في أهله في بيت الفرس فقال انه صلى الله عليه وسلم يدعوك فقال: كسر الضبة فاتاه فقال: ما يبكيك قال أنا صيِّت أي شديد الصوت اخاف أن تكون الآية نزلت فيّ فقال: اما ترضى ان تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة فقال: رضيت ببشرى الله ورسوله لا أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدا وقيل: قيل لثابت انك تعيب على أصحابك من القول وتأتي بأسوأ فقال: ما هو؟ قال ترفع صوتك فوق صوت النبي وتجهر له بالقول فقال أو فيّ نزلت قيل نعم والكاف متعلقة بـ { تَجْهَرُواْ } او بمحذوف نعت لمصدر محذوف اي جهر ثابت كجهر بعضكم او لا تعلق او اسم بمعنى مثل نعت لمصدر محذوف فانما نهوا عن الجهر الذي اعتادوه بينهم الخالي عن مراعاة حق النبوة والمؤمن ولو صدر منه رفع وجهر لم يقصد به استخفافا واستهانة لأنهما كفر ويجوز رفع الصوت في الحرب وجدال معاند ونحوهما ارهابا بحضرته وقد امر العباس وكان صيِّتاً ان يصرخ بالناس يوم حنين وروي أن غارة أتتهم يوما فصاح العباس يا صباحاه فاسقطت الحوامل لشدة صوته وانه يزجر السباع عن الغنم فيفتق مرارة السبع في جوفه وقال ابن عباس وغيره معنى { لاَ تَجْهَرُواْ لَهُ } الخ لا تنادوه باسمه كما ينادي بعضكم بعضا بل قولوا يا رسول الله او يا نبي الله* { أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ } في تأويل مصدر مفعول لأجله على تقدير مضاف ناصبة لا الناهية لان فيها معنى الفعل اي انتهوا عما نهيتم خشية الحبوط اي خشية منكم للحبوط كقولك لا تضرب زيد لادبه اي انته عن ضربه لأنه أديب او ناصبة ما بعد لا وعليه فالعلة صيرورية فان الرفع والجهر سببان موصولان للاحباط فكأنهم رفعوا وجهروا لاجل الاحباط فكأنه قيل ما تفعلون من الرفع والجهر لأجل الاحباط كفوا عنه فالنهي منصب على ما يفعلون وعلى العلة دفعة بخلاف الوجه الأول ويجيز بعضهم تقدير لا النافية مع لام التعليل المعلقة بلا الناهية أي انتهوا لئلا تحبط أعمالكم واختلفوا في ارتفاع الحرف كلا الناهية الأولى والثانية وفي التنازع في المفعول لأجله وعلى جوازه فيه فقيل: يقدر ضمير نائب عن المصدر الواقع مفعولا لأجله وقيل يقدر ضمير مجرور باللام وعلى كل يقدر متصلا بالفعل سواء قلنا تنازع الفعلان أو الحرفان ويؤيد النصب بالفعل الأول أو الثاني قراءة ابن مسعود بنصب (يحبط) على حد النصب في { { ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي } وحبوط العمل فساده كقولك حبطت الابل اي فسد بطونها بأكل الحبط ودلت الآية ان من يأمن الآثام يرتكب ما يحبط عمله وان في العمل ما لا يدري انه اثم محبط فهو حول الحمى فليحذر من الوقوع فكأنه قال الامر غميض فاحذروا ان تقعوا* { وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } بالوقوع في الاحباط