خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ
٩
-الحجرات

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَإِن طَآئِفَتَانِ } فاعل (اقتتل) محذوفا لا مبتدأ على الصحيح* { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ } جمع نظرا للمعنى واعتبار اللفظ ان يقال اقتتلتا كما قرا به ابن أبي عبلة وقرأ عبيد بن عمير (اقتتلا) بتأويل الرهطين وكما قال* { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } ولم يقل (بينهم) وكذا قال احداهما (وبينهما) والاصلاح بالنصح والدعاء الى حكم الله مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على حماره لعيادة سعد بن أبي عبادة في بني الحارث بن الخزرج قيل وقعة بدر واردف اسامة بن زيد خلفه وعلى الحمار قطيفة فمر على مجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول قبل ان يسلم ومعه مسلمون وذوو أوثان ويهود ولما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبدالله على فيه بردائه وقال لا تغبروا علينا فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقف فنزل ودعاهم الى الله وقرأ القرآن فقال عبدالله أيها المرء انه لأحسن مما تقول ان كان حقا فلا تغشنا به في مجالسنا وارجع الى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه فقال عبدالله بن رواحة يا رسول الله فاغشنا في مجالسنا فانا نحن ذلك فاستاب المشركون واليهود والمسلمون حتى كادوا يتبارزون فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يحفظهم حتى مكثوا ثم ركب دابته فنزلت الآية.
وعن ابن عباس وقف صلى الله عليه وسلم على مجلس بعض الأنصار وهو على حمار فبال الحمار فامسك عبدالله بن أبي أنفه وقال خل سبيل حمارك فقد آذانا نتنه فقال عبدالله بن رواحة: والله أن بول حماره أطيب من مسكك وروي حماره أطيب منك وبول حماره أطيب من مسكك ومضى صلى الله عليه وسلم وطال الخوض بينهما حتى استابا وتجالدا اي تضاربا وجاء فوقاهما وهما الأوس والخزرج وتجالدوا بالعصى وقيل بالأيدي والنعال والسعف فرجع اليهم فأصلح بينهم فنزلت وقيل نزلت فقرأها عليهم فاصطلحوا وفي رواية قيل له صلى الله عليه وسلم لو أتيت عبدالله بن أبي فانطلق اليه على حمار عليه اكاف وقطيفة ومعه المسلمون والأرض سبخة الى ان بلغه فكان ما ذكر وقال قتادة نزلت في رجلين من الانصار كانت بينهما ممارأة في حق بينهم فقال أحدهما لآخذن حقي عنوة لكثرة عشيرتي ودعاه الآخر ليحاكمه الى النبي صلى الله عليه وسلم فابى أن يتبعه وتدافعا بالأيدي والنعال وعن الحسن أحدهما منافق تعزز بقومه والمشركين والآخر مؤمن تعزز بالمسلمين وتدافعا فنزلت وقيل كانت أمرأة من الأنصار أسمها ام زيد تحت رجل ورقي بها الى علبة فحبسها فيه لشيء بينهما فجاء قومه وقومها فاقتتلوا بالأيدي والنعال فنزلت وعن بعض أن باطن الآية الروح والقلب والعقل والطبع والهوى والشهوة فان بغت هذه الثلاثة فقاتلها بسيوف المراهنة وسهام المطالعة وأنوار الموافقة حتى تغلبها الثلاثة الأولى { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا } اي تعدت بالاستطالة والظلم واباء الصلح* { عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُواْ الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ } ترجع* { إِلَى أَمْرِ اللهِ } أي حكمة وانما أطلق الفئ علىالظل لرجوعه بعد نسخ الشمس وعلى الغيمة لرجوعها من الكفار الى المسلمين وعن أبي عمرو (وحتى تفي) بغير همز وقيل ان ابا عمرو يخفف الأولى من الهمزتين الملتقيتين ولطفت تلك الخلسة على الراوي فظنه قد طرحها* { فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ } وعن ابن عباس (حتى يفيئوا الى امر الله) فان فاءوا فخذوا بينهم بالقسط* { وَأَقْسِطُواْ } أي أعدلوا في كل الأمور* { إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } يحمدهم بحسن الجزاء قيد الاصلاح هنا بالعدل لأنه مظنة الحيف من حيث انه بعد القتال واما الاقتتال في أول الآية فهو ان تقتتلا باغيتين معا أو راكبتين شبهة وأَيتهما كان فالواجب اصلاح ذات البين بالحق والوعظ الشافي ونفي الشبهة وان اصرتا وجب القتال واما الضمان فلا يتجه وليس كذلك اذا بغت احداهما فان الضمان يتجه على الوجهين المذكورين و (القسط) بالكسر (العدل) والفعل منه (أقسط) كما تدل عليه الآية وهمزته للسلب أي ازال (القسط) بالفتح وهو الجور واصله اعوجاج في الرجلين ويقال في الفعل ايضا (قسط) بالفتح (يقسط) بالكسر والضم (والقُسط) بالضم رائحة وحكم الفئة الباغية وجوب قتالها ما قاتلت واذا كفت عن الحرب تركت واذا تولت عمل بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال
"يا ابن ام عبد هل تدري كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة؟ قال: الله ورسوله اعلم قال لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيؤها" قال أصحابنا: الا ان كان لهم ماوى يلجأون اليه فانه يقتل ويجهز على الجريح ويتبع الهارب قال الزمخشري اما ان تقتتل الفئتان بغيا منهما جميعا فالواجب اصلاحهما وان اقامتا على البغي قوتلتا واما ان تقتتلا لشبهة وكلتاهما تدعي انها محقة فالواجب ازالة الشبهة بالبرهان وان لم تقبلا قوتلتا واما ان تبغي واحدة فقط والواجب ان تقاتل فان ثابت أصلح بينهما بالعدل فان كانت قليلة تلك الباغية لا منعة لها ضمنت ما جنت وان كثرت ولها منعة لم تضمن الا عند محمد بن الحسن واما قبل التجمع او حين تتفرق عند وضع الحرب اوزارها فما جنته ضمنته عند الجميع فحمل الاصلاح بالعدل في قوله { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِالْعَدل } على مذهب محمد واضح منطبق على لفظ التنزيل وعلى قول غيره وجهه ان يحمل على كون الفئة قليلة العدد والذين ذكروا ان الغرض اماتة الضغائن وسل الاحقاد دون ضمان الجنايات ليس ذلك منهم بحس الطباق المأمور به من أعمال العدل والقتال واقامة الحجة على يدي امام او من قدر والباغي في مثل هذا المقام الخارج عن الامام العدل بتأويل محتمل ونصبوا لهم اماما واما ان قلوا ولا منعة او لم يكن لهم تأويل او لم ينصبوا اماما فلا يتعرض ان لم ينصبوا قتالا ولم يتعرضوا للمسلمين وان فعلوا فحكمهم حكم قطاع الطرق كذا قيل ونادى مناد يوم الجمل لا يتبع مدبر ولا يقتل اسير ولا يجهز على جريح وما غرم أحد مالا ولا اقتص احد من احد وكذا يوم صفين وسمع عليّ رجلا يقول في ناحية المسجد لا حكم الا لله فقال: كلمة حق أريد بها باطل لكم علينا ثلاث لا نمنعكم مساجد الله ان تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم الفيء ما دامت ايديكم مع ايدينا ولا نبدؤكم بقتال قلت الحق انه اذا حكم الله بحكم في مسألة فلا حكم لاحد فيها سواه فالحق مع الرجل ولو كان عليّ أعلم عالم قيل وفي الآية دليل على ان البغي لا يزيل اسم مؤمن لأن الله سماهم مؤمنين مع كونهم باغين وسماهم اخوة مؤمنين قلت لا دليل اما وان طائفتان من المؤمنين فتسميتهم فيه مؤمنين باعتبار ما يظهر لنا قبل ظهور البغي واما { { إِنما المؤمنون إِخوة } فتسميتهم فيه مؤمنين اخوة اما باعتبار ما ظهر لنا قبل البغي فقوله { وأصلحوا بين أخويكم } في معنى اهدوهم الى الحال التي كانوا عليها قبل او المراد بالمؤمن الموحد لا الموفي بدليل لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن واما لفظ آمن وايمان فلا يختصان بالموفي وسئل عليّ عن اهل الجمل وصفين أمشركون فقال لا فقيل أمنافقون فقال لا ان المنافقين لا يذكرون الله الا قليلا فقيل فما هم قال اخواننا بغوا عليّ قلت أراد بالمنافقين من اسر الشرك او شك في الايمان بعض شك ونفي عنهم هذه الصفة والمراد بقوله اخواننا بغوا علينا انهم موحدون غير مؤمنين في زعمه