خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ
٢٧
-المائدة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَاتلُ }: يا محمد.
{ عَلَيهِمْ }: على مشركى قريش، أو مشركى العرب، أو على اليهود والنصارى، وهو عندى أظهر أو على الكل.
{ نَبَأَ ابْنَى آَدَمَ }: خبرهما، وهما هابيل وقابيل عند الجمهور، كان أولاد آدم ذكرهم يتزوج توءمة أخيه الآخر بوحى الله باباحة ذلك، وكانت توءمة قابيل أجمل من توءمة هابيل، وهى لهابيل، فسخط قابيل.
وعبارة القاضى: أوحى الله تعالى الى آدم أن تزوج كل واحد منهما توءمة الآخر، فسخط قابيل لأن توءمته أجمل، ولعل ذلك أول ما يتزوج ابن آدم ببنت آدم، فكان سنة لمن بعدهما من أولاد صلبه، أو أوحى اليه بالكل، ولو خص السبب بهما فقال لهما آدم: قربا قرباناً فمن أيكما قبل تزوجها، فقبل قربان هابيل، بان نزلت نار فأكلته، فازداد قابيل سخطاً وهذا أن الله أوحى اليه بتزوج التوءمة على طريق الاباحة، ولو شاء كل تزوج توءمة نفسه، والا لم يجعل القربان لذلك كالقرعة.
وكانت أمنا حواء عليها السلام تلد لأبينا آدم فى كل حمل غلاماً وجارية، كان جميع ما ولدته أربعين ولداً فى عشرين حملا، وقيل: الاشيث ولدته منفرداً، وأولهم قابيل وتوءمته اقليما، وآخرهم عبد المغيث وتوءمته أم الغيث، وابرك الله تعالى فى نسل آدم.
قال ابن عباس: لم يمت آدم حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفا، ورأى آدم فيهم الزنى وشرب الخمر وقتل النفس، وذلك أن قابيل قتل هابيل، واختلف فى مولدهما: قال بعضهم غشى آدم حواء بعد مهبطهما الى الأرض بمائة سنة، فولدت قابيل وتوءمته اقليما من بطن، ثم هابيل وتوءمته لبود من بطن.
وقيل: تغشى آدم حواء فى الجنة قبل أن يصيب الخطيئة، فحملت بقابيل وتوءمته فولدتهما بلا وجع ولا طلق ولا دم لطهر الجنة عن ذلك، ثم هبطوا الى الدنيا، ولما اطمأن بها تغشاها فحملت بهابيل وتوءمته، وولدته بوجع وطلق ودم، وكان اذا كبر الولدان زوج غلام هذا البطن جارية البطن الآخر، وكان الرجل يتزوج من أخواته من شاء الا توءمته التى ولدت معه من بطن واحد لا تحل له، وذلك لأنه لا نساء يومئذ الا أمهم حواء وأخواتهم، فذكر آدم لهابيل أن يتزوج أخت قابيل فرضى، وذكر لقابيل أن يتزوج أخت هابيل فسخط وقال: هى أختى ولدت معى من بطن واحد ونحن من أولاد الجنة، وأنا أحق بها، وهى أحسن من أخت هابيل، وهما من أولاد الأرض، وهو أحق بأخته، فقال آدم عليه السلام: لا يحل لك، فأبى أن يقبل، وقال: ان الله تعالى لم يأمرك بذلك، وانما هو من رأيك وأمرهما بالقربان.
وقال معاوية بن عمار: سألت جعفر الصادق: أكان آدم زوج بنته من ابنه؟ قال: معاذ الله لو فعل ذلك آدم ما رغب عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ان الله تعالى لما أهبط آدم الى الأرض وحواء، وجمع بينهما ولدت حواء بنتاً سماها عناق، فبغت وهى أول من بغى على وجه الأرض، يعنى زنت، فسلط الله عليها من قتلها، وولدت بعدها قابيل ثم هابيل، ولما أدرك هابيل أظهر الله جنية من ولد الجان يقال لها جمانة فى صورة انسية، فأوحى الله الى آدم أن زوجها قابيل، فزوجها منه،ولما أدرك هابيل أهبط الله على آدم حوراء فى صورة أنسية وخلق الله لها رحماً وكان اسمها نزلت، ولما نظر اليها هابيل أعجبته، فأوحى الله الى آدم أن زوج نزلت من هابيل، ففعل فقال قابيل: يا أباه ألست أكبر من أخى، وأنا أحق بما فعلت به منه، فقال يا بنى ان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، قال: لا ولكنك آثرته على بهواك، قال: ان كنت تريد أن تعلم ذلك فقربا قرباناً فأيكمل تقبل قربانه فهو أولى بالفضل، فتقربا فتقبل قربان هابيل.
وما ذكره جعفر مشكل، لأن الله جل وعلا أباح لأولاد آدم من صلبه أن يتزوجوا أخواتهم، لعدم وجود نساء سواهن.
وقال الحسن والضحاك: ان ابنى آدم اللذين قربا القربان ما كان ابنى آدم لصلبه، وانما كانا رجلين من بنى اسرائيل، ويناسبه قوله تعالى:
{ من أجل ذلك كتبنا على بنى اسرائيل } الآية وقوله: { فبعث الله غراباً } الآية يناسب الأول اذا لم يعلم كيف يفعل له بعد القتل.
{ بِالحَقِّ }: ملتبساً بالحق أنت يا محمد، أو ملتبسا النبأ بالحق لا كذب فيه ولا اخبارك به يا محمد، فهو حال من ضميراتل، أو من النبأ وأهل الكتاب يعرفون ما يتلو عليهم من أنباء ابنى آدم، فأخباره معجزة وردع عمر الحسد، وكانوا يحسدون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رأيت القاضى ذكر بعد ذلك والحمد لله، وزاد أنه نعت المصدر محذوف تلاوة ملتبسة بالحق.
{ إِذ قَرَّبَا قُربَانًا }: ظرف متعلق بمحذوف نعت لنبأ على أن يكون النبأ بمعنى المنبوء به، أى الأمر المستحقر به لا على بقائه على المعنى المصدرى، لأنه ليس المراد الاخبار وقت تقريبهما القربان، وانما كان هناك ما يخبره الا أن يتكلف أنه لما وقع أمرهما وتقريبهما كان أهل زمانهما يخبرون بذلك، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلو عليهما، وما يدل على ذلك الاخبار الواقع وقت التقريب، وان اعتبر هذا صح تعليق اذ نبأ والا فلا، واضافة نبأ لابنى ليست اضافة للفاعل ولا للمفعول، ويجوز كون اذ بدلا مطلقاً من نبأ على حذف مضاف، أى واتلو عليهم وقت نبأ على حذف مضاف، أى واتلو وقت نبأ ابنى آدم قربا قرباناً، وهذا بظاهره لا يصح الا بتقدير مفعول يتعلق به وقت، أى واتل عليهم الحادث وقد نبأ، وذلك الحادث هو نفس التقريب والتقبل، وما ذكر معهما، والحادث فى الوقت غير الوقت.
والقربان ما يتقرب به مطلقاً، المراد هنا ما يتقرب بها لى الله عز وجل من صدقة أو ذبيحة أو عبادة، وهو فى الأصل اسم مصدر بمعنى تقرب أو تقريب، ولذلك صح لفظه لقربانين قربان هابيل وقربان قابيل، ويجوز أن يلاحظ معنى قرب كل واحد قربانه، فصح الافراد أيضاً وكان اذا تقبل الله قربان أحد نزلت من السماء نار بيضاء فأكلتها، والا لم تنزل ولم تأكلها، وتأكل الطير والدواب، وكان قابيل صاحب زرع، فتقرب بصرة قمح ردىء وأضمر فى نفسه لا أبالى أتقبل منى أم لم يتقبل، لا يتزوج أحد غيرى أختى، وكان هابيل صاحب غنم، فعمد الى كبش هو أحسن كباشه فقربه وأضمر فى نفسه رضا الله تعالى فوضعا قربانهما على جبل صعداء، هما وآدم، ثم دعا آدم فنزلت النار من السماء، فأكلت قربان هابيل، ولم تأكل قربان قابيل.
وقيل: قرب هابيل كبشاً سميناً من خيار غنمه، ولبنا وزبداً وأضمر التسليم لأمر الله والرضا به، وعن اسماعيل بن رافع: أن هابيل نتج له كبش فى غنمه فأحبه، ولم يكن له مال أحب اليه منه، وكان يحمله على ظهره، ولما أمر بالقربان قربه فأكلته النار واللبن والزبد، وذلك الأكل رفع له، فما زال يرتع فى الجنة حتى فدى به اسماعيل من الذبح، تقرب بجمل سمين وأيا ما كان فقيد به تقبل قربانه وحده كما قال الله جل وعلا:
{ فَتُقُبِّلَ }: أى القربان.
{ مِن أَحَدِهِمَا وَلَم يُتَقَبَّل مِنَ الآخرِ }: قربانه وهو قابيل، فغضب وحسد أخاه هابيل وأضمر عليه، ولما أراد آدم أن يزور الكعبة قال للسماء: احفظى ولدى بالأمانة فأبت، وقال للأرض فأبت، وقال لقابيل: احفظ ولدى بالأمانة، فقال: نعم ترجع وتراه كما يسرك، فرجع آدم وقد قتل قابيل هابيل، فزعم بعض أن هذا هو المراد فى قوله تعالى:
{ انا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال } الآية فالانسان الظلوم الجهول قابيل، حمل أمانة أبيه وخانه، لما غاب آدم أتى قابيل الى هابيل وهو فى غنمه وقال: لأقتلنك، قال: ولم؟ قال: لأن الله تعالى تقبل قربانك ولم يتقبل قربانى، وتنكح أختى الحسنة وأنكح أختك الذميمة، فيتحدث بنو آدم أنك خير منى وأفضل، ويفتخر ولدك على ولدى، قال: فما ذنبى انما يتقبل الله من المتقين كما قال الله.
{ قَالَ }: أى الآخر.
{ لأقتُلَنَّكَ قَالَ }: الأول المتقبل منه.
{ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ }: أى قال: لا ذنب لى أستوجب به أن تقتلنى، وانما تقبل الله قربانى لتقواى فى سائر أمرى، وقربانى وعدم اضمارى لك أى سوء، وأنت لست كذلك لعدم رضاك بأمر الله، وتقربك الردىء وحسدى، فانما أوتيت من قبل نفسك، واللائق بالحاسد أن يشتغل بالتوبة من حسده، ويجتهد فيما يحصل له به مثل ما حصل لمحسوده، ولا يشتغل بازالة ما حصل لمحسوده، فان ذلك مضرة له ونفع للمحسود.
ولا يجوز أن يكون { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ } خطاباً من الله تعالى لرسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسمل معترضاً لأن لفظ قال المتصل به يأت ذلك فيبقى بلا محكى، أو يتكلف له محكى محذوف بلا دليل ولا داع، ولما احتضر عامر بن عبد الله بكى فقيل له: ما يبكيك فقد كنت وكنت؟ فقال: أنى أسمع الله يقول: { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ }.