خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ
٨٢
-المائدة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً }: تمييز لقوله أشد:
{ لِّلَّذِينَ آمَنُوا }: نعت لعداوة أو متعلق به.
{ اليَهُودَ }: مفعول ثان.
{ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا }: عطف على اليهود، قرن الله جل وعلا اليهود بالمشركين فى شدة عداوة المؤمنين، كأنه لم يكن لهم كتاب من الله لتوغلهم فى الكفر، واتباع الهوى، وتكذيب الأنبياء، وقتلهم وتشبثهم بالقليل، ومن ديانتهم وجود ايصال الشر الى من استحل السبت أو خالف دينهم بأى وجه يصلون اليه كالقتل، وأخذ المال، والمكر والذم باللسان، وفيهم الحرص الشديد على الدنيا والرياسة.
{ وَلَتَجِدَنَّ أقْرَبَهُم مَوَدَّةً }: تمييز أقرب.
{ لِّلَّذِينَ آمَنُوا }: متعلق بمودة أو نعته.
{ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى }: مفعول ثان لتجدن، وصف الله النصارى بلين العريكة، ورقة القلوب، والقرب الى قول الحق، وذلك أمر ظاهر الى الآن، والافرنجى أعنى الفرنسيس وفى الانجليز والحبشة، وانما زادوا تمرداً وشراً لميل أهل التوحيد الى المال، والفسوق والراحة والجور، وكم افرنجى يقول: لو وجدنا من يجرى بنا على دين محمد بالحقيقة لدخلنا فى دينه، وبعض يقول: لو وجدنا سلطاناً يقوم به لأسلمنا، وليس فيهم حرص اليهود، ولا من شأنهم الغش والخديعة فى المعاملة، بالمال ولا استحلال من يستحل الأخذ، وليس فيهم كبر اليهود، وليسوا كلهم كذلك بل ذلك كثير فيهم. وذلك لا كلية.
وأشد النصارى استبانيون، وكانوا أشد قبل أن يعلموا ما فى القرآن، وكانوا يرون أن فيه حقاً عليهم واجحافاً ولما علموا ما فيه زال بعض ذلك، ومعظم النصارى فى عداوة المؤمنين كاليهود، وقال بعض علماء مصر: بل أعظم عداوة، فاما أن تكون الآية كلا كما رأيت، واما أن يراد من آمن، واما أن يكون الذين نرى العداوة ليسوا نصارى حقيقة، بل متنصرة من الأعاجم أو من العرب المتنصرة على عهد عمر وقبله، وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قيل: ان جبلة بن الأيهم الغسانى لما غلب المسلمون على عهد عمر رضى الله عنه الروم من أرض الشام، انتقل الى جزيرة فى البحر، وبنى بها الافرنج من نسله، وهو من غسان قبيلة من العرب، ومع ذلك فكفر النصارى أعظم وأقبح لأنهم ينازعون فى الألوهية، وضررهم على أهل التوحيد أعظم.
وقيل: ان النصارى أهل خشية وانقطاع الى الله سبحانه، وان لم يكونوا على هدى فهم يميلون الى أهل العبادة والخشية، وليس فى اليهود ما فيهم من تواضع وانقطاع عن الدنيا، بل يعظمونها ويتطاولون، ولا ترى فيهم زاهداً، وهم أشد الناس عداوة للمؤمنين، وأما النصارى فهم يعظمون من أهل الاسلام أن يستشعروا منهم حجة الدين، ويهينون من فهموا منه الفسق، واذا حاربوا فانما يحاربون أنفة وليسوا يحاربونه ديانة، واذا سالموا فسلمهم صاف، ولم يصفهم الله تعالى بأنهم أهل ود، بل وصفهم بقربهم للمودة، وليس فى خصالهم ما فى اليهود من الغش.
وما فيهم خير الا من آمن فقد قيل: ان الآية فى النجاشى صاحب الحبشة، لما رأى النبى صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء، وما هو فيه من العافية بمكانه من الله سبحانه، ثم من عمه أبى طالب، وأنه لا يقدر أن يمنعهم، قال لهم:
" لو خرجتم الى أرض الحبشة فان بها ملكاً لا يظلم عنده أحد حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه " فخرج عند ذلك المسلمون من أصحابه صلى الله عليه وسلم الى أرض الحبشة مخافة الفتنة، وفراراً بدينهم الى الله عز وجل، فكانت أول هجرة كانت فى الاسلام، فأول من خرج عثمان بن عفان معه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تتابعوا فكان جميع من لحق بأرض الحبشة وهاجر اليها من المسلمين سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم صغاراً وولدوا بها ثلاثة وثمانين رجلا، وقيل اثنان وثمانون، والشك فى عمار ان كان فيهم وكان فيهم جعفر بن أبى طالب، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف.
قالت أم سلمة: لما نزلنا أرض الحبشة، جاورنا فيها خير جار النجاشى، آمنا على ديننا، وعبدنا الله سبحانه لا نؤذى ولا نسمع شيئاً نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا بينهم أن يبعثوا الى النجاشى فينا رجلين منهم جلدين، وأن يهدوا للنجاشى هدايا مما يستطرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتى منها الآدم، فجمعوا له أدماً كثيراً، ولم يتركوا بطريقاً من بطارقته الا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن ربيعة، وعمرو بن العاص، ومعهما عمارة بن الوليد، وأمروهما بأمرهم، وقالوا لهم: ادفعوا لكل بطريق هديته قبل أن تكلما النجاشى فيهم، ثم قدما الى النجاشى هدايانا اليه، ثم اسألاه أن يسلمهم اليكما قبل أن يكلمهم.
فخرجا الى النجاشى قالت: فقدما على النجاشى ونحن عنده بخير دار عند خير جار، فلم يبق من بطارقته بطريق الا دفعا اليه هديته قبل أن يكلما النجاشى، وقالا لكل بطريق: انه قدم لبلد الملك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا فى دينكم وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا الى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم اليهم، فاذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلمهم الينا ولا يكلمهم، فان قومهم أعلم بما عابوا عليهم.
فقالوا لهم: نعم، ثم انهم قربوا هدياهم الى النجاشى فقبلها منهما، ثم كلماه فقالا له: أيها الملك انه قد صوى الى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا فى دينك جاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا اليكم فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم اليهم، فهم أعلم بما عابوا عليهم.
قالت: فقالت بطارقتهم حوله: صدقا أيها الملك قومهم أعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم اليهما ليرداهم الى بلادهم وقومهم.
قال: فغضب النجاشى ثم قال: لا والله اذن لا أسلمهم اليهما، ولا يكاد قوم جاورونى ونزلوا بلادى، واختارونى على من سواى، حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان فى أمرهم، ثم أرسل الى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم.
فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل اذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائناً فى ذلك ما هو كائن فجاءوا وقد دعى النجاشى أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله، فسألهم فقال لهم: ما هذا الدين الذى فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا به فى دينى ولا دين أحد من هذه الملل؟
قالت: فكان الذى كلمه جعفر بن أبى طالب فقال له: أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتى الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسىء الجوار، ويأكل القوى الضعيف، وكنا على ذلك حتى بعث الله الينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا الى الله سبحانه لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وأباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، فعدد عليه أمور الاسلام وصدقناه وآمنا به على ما جاء به من عند الله، فعبدنا الله وحده، ولم نشرك به شيئاً، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا الى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، ولما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا بين ديننا، خرجنا الى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا فى جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك.
قالت: فقال له النجاشى: هل معك مما جاء به عن الله من شىء؟ فقال له جعفر: نعم0 فقال له النجاشى: فاقرأه على فقرأ عليه سطراً من
{ { كهيعص } وقيل: قال النجاشى: هل فى كتابكم ذكر مريم؟ فقال جعفر: فى سورة تنسب اليها فقرأ له { كهيعص } الى قوله تعالى: { ذلك عيسى ابن مريم } وقرأ طه الى قوله: { { وهل أتاك حديث موسى
}. قالت: فبكى والله النجاشى حتى خضل لحيته، وبكت أساقفته حتى خضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلى عليهم، ثم قال النجاشى: ان هذا والذى جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا فلا والله لا أسلمهم اليكما أبداً، ولما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله لآتينه غداً بما أستأصلهم به.
قالت: فقال له عبد الله بن ربيعة، وكان أبقى الرجلين فينا: لا تفعل فان لهم أرحاماً، وان كانوا قد خالفونا، وقال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد، ثم غدا عليه الغد فقال: أيها الملك، انهم يقولون فى عيسى بن مريم قولا عظيماً، فأرسل اليهم فاسألهم عما يقولون فيه، فأرسل اليهم ليسألهم عنه.
قالت: ولم يمر علينا قط مثلها، فاجتمع القوم ثم قال بعضهم لبعض: ماذا تقولون فى عيسى بن مريم اذا سألكم عنه، قالوا: نقول والله ما قال الله، وجاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائنا فى ذلك ما هو كائن، فلما دخلوا عليه قال لهم: ماذا تقولون فى عيسى بن مريم؟ فقال جعفر بن أبى طالب: نقول فيه الذى جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم، نقول: هو عبد الله ورسوله وروحه، وكلمته ألقاها الى مريم العذراء البتول، فضرب النجاشى بيده الى الأرض فأخذ منه عوداً ثم قال: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود.
قالت: فتأخرت بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال: وان نجزتم أى الأمر ما قلت، وان نجزتم والله اذهبوا فأنتم سيوم بأرضى ـ والسيوم الآمنون ـ من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، ما أحب أن لى دبراً من ذهب ـ والدبر بلسان الحبشى الجبل ـ خاطب بقوله: اذهبوا فأنتم سيوم الصحابة.
واجتمعت الحبشة فقالوا للنجاشى: انك قد فارقت ديننا، وخرجوا عليه، فأرسل الى جعفر وأصحابه فهيأ لهم سفناً وقال: اركبوا فيها، وكونوا كما أنتم، فان هزمت فامضوا حتى تلحقوا حيث شئتم، وان ظفرت فاثبتوا، ثم عمد الى كتاب فكتب فيه هو يشهد أن لا اله الا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، ويشهد أن عيسى بن مريم عبده ورسوله، وكلمته ألقاها الى مريم، ثم جعله فى قبائه عند المنكب الأيمن، وخرج الى الحبشة، وصفوا له.
فقال: يا معشر الحبشة لست أحق الناس بكم، قالوا: بلى، قال: فكيف سيرتى فيكم؟ قالوا: خير سيرة، قال: فما لكم خرجتم عنى؟ قالوا: فارقت ديننا، وزعمت أن عيسى عبد، قال: فما تقولون أنتم فى عيسى؟ قالوا نقول: هو ابن الله تعالى عن قولهم، ووضع النجاشى يده على قبائه فقال: هو يشهد أن عيسى لم يزد على هذا شيئاً، وعنى ما كتب فرضوا وانصرفوا، وبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم.
ويروى أنه خرج أولا عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والزبير بن العوام، وعبد الله بن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو حذيفة بن عتبة، وامرأته سهله بنت سهيل بن عمرو، ومصعب بن عمير، وأبو سلمة بن الأسد وزوجته أم سلمة بنت أمية، وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة وامرأته ليلى بنت أبى حكمة، وحاطب بن عمرو، وسهل بن بيضاء فى سفينة بنصف دينار الى الحبشة فى رجب فى السنة الخامسة من مبعثه صلى الله عليه وسلم ثم خرج بعدهم جعفر بن أبى طالب وغيره بعضاً فبعضاً لا بمرة.
ولما وصل اليه الأولون والآخرون أتوا باب النجاشى فقالوا: يستأذنك أولياء الله فقال: ائذنوا لهم فمرحباً بأولياء الله فلما دخلوا سلموا عليه فقال: ان مشركى قريش قالوا له: ألا ترى أنهم لم يحيوك بتحيتك التى تحيى بها؟ فقال لهم: ما منعكم أن تحيونى بتحيتى؟ قالوا: انا حييناك بتحية أهل الجنة، وتحية الملائكة. فقال لهم النجاشى: ما يقول صاحبكم فى عيسى وأمه؟ فقال جعفر بن أبى طالب يقول: هو عبد الله ورسوله، وكلمة الله وروحه، منه ألقاها الى مريم العذراء البتول، وفى وصفها بالعذراء تبرئتها من الزنى0 فأخذ عوداً من الأرض فقال: ما عدا عيسى عما قال صاحبكم مثل هذا، فقال: هل تعرفون شيئاً مما نزل على صاحبكم؟ قالوا: نعم. قال: اقرءوا، فقرأ جعفر سورة مريم.
ومات زوج أم حبيبة بنت أبى سفيان فى الحبشة، وقد هاجر لكن مات على دين النصرانية مرتداً، وخلفها فى الحبشة، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم على يدى عمرو بن أمية الضمرى أن يزوجه أم حبيبة، فأرسل النجاشى اليها جارية تسمى برهة، فأخبرها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خطبها، فسرت بذلك وأعطت الجارية أوضاحاً كانت لها، وأذنت لخالد بن سعيد فى تزويجها، فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم على صداق مبلغه أربعمائة دينار، والخاطب لرسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشى، فأرسل اليها بجميع صداقها على يد جاريته برهة، فلما جاءتها بالدنانير وهبتها منها خمسين ديناراً فلم تأخذها وقالت: ان الملك أمرنى أن لا آخذ منك شيئاً؟ وقالت: أنا صاحبة دهن الملك وثيابه، وقد صدقت بمحمد صلى الله عليه وسلم، وآمنت به، وحاجتى اليك أن تقرئيه منى السلام، قالت: نعم، وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن اليك مما عندهن من دهن وعود، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراه عندها فلا ينكره.
قالت أم حبيبة: فخرجت مع بعض المسلمين الى المدينة، وأقمت بها حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت عليه فكان يسألنى عن النجاشى فأقرأته السلام من برهة جارية الملك، فرد صلى الله عليه وسلم عليها، وخرجت الى المدينة قبل جعفر، وبعد خروج جعفر وأصحابه بعث النجاشى رضى الله عنه ابنه أرهى فى ستين رجلا من أصحابه، وكتب اليه: يا رسول الله انى أشهد أنك رسول الله صادقاً مصدقاً وقد بايعتك، وبايعت ابن عمك جعفراً، وأسلمت لله رب العالمين، وقد بعثت اليكم ابنى أرهى، وان شئت أن آتيك بنفسى فعلت والسلام عليك يا رسول الله.
فغرقوا فى البحر، ووافى جعفر وأصحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخير ووافى مع جعفر سبعون رجلا عليهم ثياب الصوف، اثنان وستون من الحبشة، وثمانية من الشام، وقيل: هم ستة وسبعون وهو قول أبى صالح، والأول لابن جبير، فقرأ صلى الله عليه وسلم سورة يس، فكبروا وآمنوا وقالوا: ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى عليه السلام، ونزلت: { وَلَتَجِدَنَّ أقْرَبَهُم مَوَدَّةً } الآية.
قيل: يعنى وفد النجاشى الذين قدموا مع جعفر وهم سبعون رجلا من أصحاب الصوامع، وقيل: هاجر سنة خمس من البعثة أحد عشر رجلا، وقيل: اثنى عشر رجلا، وأربع نسوة، وقيل: النساء خمس، وقيل اثنتان، وأميرهم عثمان بن مظعون، وقال الزهرى لم يكن فيهم من يؤمر عليهم، خرجوا مشاة الى البحر، ثم اكتروا سفينة بنصف دينار، وأول من خرج عثمان بن عفان مع امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهما، فقدمت امرأة فقالت: قد رأيتهما وقد حمل عثمان امرأته على حمار، فقال: ان عثمان لأول من هاجر بأهله بعد لوط.
وبعد ذلك هاجر المسلمون الهجرة الثانية ثلاثة وثمانين رجلا بعمار، أو اثنين وثمانين على أنه لم يكن فيمن هاجر، وقيل: نزلت الآية فى ثمانين رجلا، أربعون من نصارى نجران واثنان وثلاثون من الحبشة، وثمانية من الروم من الشام، وقال قتادة: نزلت فى قوم كانوا على شريعة عيسى عليه السلام لم يغيروها، ولما بعث الله الرحمن الرحيم رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم آمنوا به.
{ ذّلِكَ }: المذكور من قرب المودة.
{ بِأَنَّ }: بسبب أن.
{ مِنْهُم قِسِّيسِينَ }: علماء، القس والقسيس العالم فى لغة الروم، ويطلق على رؤساء النصارى قس وقسيس فى الدين والعلم، وعن عروة ابن الزبير أنه قال: صعبت النصارى الانجيل وأدخلوا فيه ما ليس منه، وبقى واحد من علمائهم على الدين والحق، وكان اسمه قسيسا فمن كان على دينه فهو قسيس.
{ وَرُهْبَاناً }: عباداً من الرهبة وهو الخوف، أى خائفون من الله.
{ وَأَنَّهُم لا يَسْتَكْبِرُونَ }: عن قبول اذا فهموه، والآية دليل على أن العلم أنفع شىء وأهداه الى الخير، وان من قسيس، وكذا الخوف من غم الآخرة والتحدث بالعاقبة ولو من راهب، والبراءة من الكبر وان من نصرانى، ولا ينفع شىء مع الكفر برسول الله صلى الله عليه وسلم.