خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ
٩٢
لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ
٩٣
-المائدة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحذَرُوا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلاغُ المُبِينُ0 لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا }: أكلوا وشربوا فطعموا بمعنى تناولوا لبطونهم، فهو من عموم المجاز أو يقدر فيما طمعوا وما شربوا، وذلك أن الآية فى الخمر وهى مشروبة والقمار وهو مأكول.
{ إِذَا مَا }: حرف مؤكد.
{ اتَّقَوا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا }: أى ليس على الذين آمنوا بالله ورسوله، وفعلوا ما فرض عليهم اثم بسبب ما أكلوا مما لم يحرم عليهم كالخمر قبل تحريمها اذا تحقق تركهم المحرمات كالسرقة والغيبة، وثبتوا على الايمان والعمل ما فرض، فان ترك الايمان وترك ما فرض داخلان فى جملة ما تبقى، ثم اتقوا ما حرم عليهم بعد كالخمر والميسر فى حق من حرمها على عهده، وكلما نزل تحريم شىء اتقوه وآمنوا بتحريمه، ثم اتقوا داموا على ترك المحرمات وأحسنوا بفعل ما لم يجب من أفعال الطاعات، فالايمان الأول التصديق، والثانى الدوام عليه، والثالث التصديق بتحريم ما حرم.
وعمل الصالحات الأول فعل الواجب، والثانى الدوام عليه، والاتقاء الأول ترك المحرمات، والثانى ترك ما حدث تحريمه، والثالث الدوام على التركين، وفى الآية وجه آخر أن يجعل عمل الصالحات الثانى عمل المسنونات والاحسان مطلق النفل، والاتقاء الأول، والثانى ترك الصغائر، والثالث ترك المكروهات، والباقى كما فى الوجه الأول وكلا الوجهين تأسيس، والثانى ولو كان فى التأسيس ادخل لقلة ترك الكبائر ما أخرج فيه من الأفعال عن معنى احداثه الى معنى الدوام عليه، لكن فى الدوام شأن عظيم.
وكان عمله صلى الله عليه وسلم ديمة وأحب العمل اليه أدومه ولو قل، وفى مجانبة الترك والابطال يتفاضل الناس.

لكل الى جنب العلى حركات ولكن عزيز فى الرجال ثبات

وفى الآية وجه آخر هو أن يجعل الايمان والأول تصديقاً بالفرض، والثانى بالمسنون، والثالث بالنفل، هكذا وباقى الآية كما فى الوجه الأول، فهذا وجه ثالث، وان جعلت باقيها كما فى الثانى كان وجهاً رابعاً، وفى الآية وجه خامس كالأول، الا أن ثم لتراخى الرتب، وسادس كالثانى، وثم لتراخى الرتب، وسابع كالثالث، وثم لتراخى الرتب، وثامن كالرابع، وثم لتراخى الرتب، وتاسع أن يجعل الايمان كله فى الآية بالواجبات وعمل الصالحات فى الموضعين عمل الفرض، والتقوى كلها ترك المحرمات، والعطف للتأكيد، وعاشر أن يكون التكرير باعتبار ما قبل نزول تحريم الخمر والميسر وزمان نزولهما وبعده، وهذا فيما ذكر ثلاثاً وهو الايمان والتقوى.
وأما ما ذكر مرتين فما قبل نزول تحريمهما، وحال نزولهما مع ما بعده، وحادى عشر أن يكون تكرير ما ذكر ثلاثاً باعتبار زمان الشباب، وزمان الكهولة، وزمان الشيوخة، وما ذكر مرتين باعتبار، وثانى عشر أن يكون تكرير ما ذكر ثلاثاً باعتبار زمان ابتداء الايمان، وزمان الوفاة وما بينهما، وما ذكر مرتين ما قبل الوفاة، وزمان الوفاة، وثالث عشر أن يكون التكرير باعتبار حال الانسان مع نفسه، وحاله مع الخلق، وحاله مع الله تعالى، وما ذكر مرتين باعتبار حاله مع نفسه، ومع الخلق وحاله مع الله تعالى، وذلك باعتبار الحق لنفسه أو عليهما، واعتبار الحق للخلق أو عليه، واعتبار الحق لله، ورابع عشر أن يكون ما ثلث باعتبار اجتماعه مع الناس، وخلوه عنهم لنفسه، ومعاملته مع الله، وما ثنى باعتبار خلوه لنفسه واجتماعه بالخلق، وباعتبار معاملته الله تعالى، وخامس عشر أن يكون تكرير الايمان باعتبار الايمان التقليدى، ثم التقليدى اليقينى، ثم الايمان القوى جداً، الذى هو عيان العمل الصالح مرتب عليه فى أحواله الثلاث، وما ثنى مرتب عليه باعتبار التقليد، واعتبار ما عداه، وسادس عشر أن يتكرر التقوى باعتبار ترك المحرم، واعتبار ترك الشبه، واعتبار ترك بعض المباح لئلا تقسو به نفسه، فيتدرج به لما لا يحل ويتكرر الايمان معهن وما ثنى باعتبار ما وجب، واعتبار ما لم يجب، ونزيد على هذه الأقسام الخمسة عشر قسماً هو أن فعل الاحسان مع كل واحد غير الأول كمال الخشوع والتواضع فيهن، وان فسرت التقوى الأولى باتقاء الشرك، والثانية باتقاء الكبائر والثالثة باتقاء المعصية مطلقا زادت الوجوه.
{ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ }: ينعم عليهم بالجنة ولا يعذبهم، فمن فعل ذلك كان محسناً، وعن ابن مسعود
"لما نزل قوله تعالى: { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } الآية، قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت منهم، قيل قال بعض: يا رسول الله أمنهم ابن مسعود؟ فقال: نعم" .