خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ
١٢٤
-الأنعام

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وإذا جاءتْهُم } أى رؤساء قريش المرادون بأكابر مجرميها أو كفار قريش { آيةٌ } دالة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم { قالُوا } أى رؤساء أو كفار قريش، والقائل حقيقة رؤساؤهم { لَنْ نُؤمنَ } بمحمد وبما يقول { حتَّى نُؤتى مِثْل ما أوتىَ رُسُل اللهِ } الماضون من النبوة والرسالة، فنكون أنبياء رسلا مثلهم، وقال مقاتل: الآية فى قول أبى جهل المذكور آنفاً، وقال الفخر عن المفسرين فى قول الوليد، واستحسن بعض ما روى عن ابن عباس أنهم لم يطلبوا أن يكونوا رسلا، بل المعنى حتى ينزل الله علينا جبريل يصدقك، والصحيح الأول من أنهم طلبوا أن يكونوا رسلا، لأنه ظاهر قوله: { حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله } ولقوله تعالى ردا عليهم:
{ الله أعْلمُ حيثُ يَجْعل رِسالتَه } فإنهُ ظاهر فى أن المعنى أنهُ تعالى أعلم ممن يتأهل لأن يكون رسولا، وهذا إنما يصح رداً على من يزعم منهم أنهُ أهل للرسالة، لا على من طلب نزول الملك بتصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أى لستم أهلا لها، لأنكم تطلبونها، ولأنكم أهل إجرام ومكر، ولأنكم أهل شرك ومعاص، ولا نبوة لأهلها، ولأنكم مطاعون فى قومكم، فلو أوتيتموها قيل إنكم رؤساء مطاعون فاتبعكم الناس لذلك لا لصحة النبوة، بخلاف محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يتيم من أبيه وأمه معا، وليست الرسالة بالمال والسن، ولا من أجل النسب، ومع ذلك يبعث الله الرسل من أشراف أقوامهم، كما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل بالفضائل النفسانية من حيث الدين بلا كسب لها، أعنى بدون أن يدوم العمل فيترقى إلى رتبتها لا بقصده إليها، ولا بدون قصده إليها، وقيل: بالكسب بدون قصده.
وحيث مفعول لمحذوف أى يعلم، أى يعلم يجعل رسالته، هذا على جواز تصرف حيث إلى المفعولية، وأن ما لم يجعل مفعولا به لأعلم، لأن أعلم اسم تفضيل، اللهم إلا أن يقال: إنه بمعنى عالم أو عليم، فنصب المفعول وهو حيث، وعلى نصبه لمحذوف يكون المعنى الله أعلم بكل شئ يعلم حيث، والأظهر أن حيث تتعلق بأعلم وهى ظرف، أى أعلم فى موضع جعل الرسالة، أى هو أعلم فى هذا المعنى ولا حصر مراد فى ذلك، بل هو أعلم فى كل شئ وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم: رسالته بالإفراد وفتح التاء.
{ سَيُصيبُ الَّذين أجْرمُوا صَغارٌ عنْد اللهِ وعَذابٌ شَديدٌ } سيصيب الذين أتوا الله بذنوب عظام، ذل وحقارة وعذاب شديد بعد كبرهم مجازاة بعد مطلوبهم الذى هو العز والكرامة، إذ حاولوهما بمعصية الله، وتلك الإصابة بالآخرة كما قال عند الله، أى فى الآخرة عند الله، لأن الناس يحضرون فيه للحساب، كمن يحضر الملك للحساب، فعند متعلق بيصيب، وقيل: عند الله متعلق بمحذوف نعت لصغار، وإن الإصابة فى الدنيا، فالعذاب على هذا القتل والأسر والسلب، وفيه هوانهم وذلهم.
وقيل: يتعلق بمحذوف نعت لصغار، وهو فى الدنيا بالقتل والأسر والسلب، والعذاب الشديد فى الآخرة، ولذلك أخره، وقيل: إن الصغار والعذاب الشديد كليهما فى الدنيا والآخرة معا، وإن عذاب شديد فى نية التقديم على عند الله، وقيل: معنى أجرموا قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله.
{ بما كانُوا } بسبب كونهم { يمْكُرونَ } أو على مكرهم أى جزاء لمكرهم.