خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ
١٥٠
-الأنعام

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قُلْ هَلُمَّ شُهداءكُم } أى أحضروهم أو هاتوهم أو قربوهم، وهى متعدية لأنها بمعنى ما يتعدى، وكذا لو فسرناها بأدنوهم أمراً من أدنى بالهمزة أو بأجمعوهم، فإن ذلك كله جائز، وأما هلم إلينا فلازمة بمعنى أقبل أو ادن أمراً من دنا بلا همز، أو تقرب وأقبل، وهذا لأن اسم الفعل يتعدى إذا كان بمعنى المتعدى، ويلزم إذا كان بمعنى اللازم، وهى اسم فعل عند الحجازيين لفظها واحد فى الإفراد والتذكير وغيرهما، وعند تميم فعل أمر تلحقها الضمائر، ثم قيل هى هاء التنبيه ولم يضم الميم، وفتح الميم أمر من لم يفتح اللام يلم بضمها حذفت ألف هاء التنبيه للتخفيف، أو لعدم الاعتداء بالعارض، لأن حركة اللام عارضة من الميم المدغمة، أو دخلت على الميم بضم همزة الوصل أو بُدئ بما حذفت للدرج، فحذف ألف هاء التنبيه للساكن بعدها وهو اللام ثم نقلت ضمة الميم الأولى باللام فأريد الإدغام ففتحت الميم الثانية ليمكن الإدغام، ولا يلتقى ساكنان، واختير الفتح للتخفيف.
ومعنى لم يلم جمع الله شملنا وما تفرق منا، فضمنت أحد المعانى التى فسرتها بها، أو هى بمعنى أجمع كما مر أيضا، وقيل: معنى لم يلم الثلاثى بمعنى نزل، ثم ضمن أحد المعانى المذكورة، ويقال فى اللازم: هلم إلينا، أى احضر بنفسك إلينا أو لم وإذا اعتبرت أجمع نفسك إلينا فكأنها متعدية، وليست كذلك، والقولان لجمهور البصريين، والأول للخليل وسيبويه، وفى كليهما حذف ألف هاء التنبيه، ونقل حركة الميم والإدغام، ولا يختص النقل بالآخر كما قيل، وقال الفراء وغيره من الكوفيين: مركبة من هل التى للزجر ومن أم بمعنى قصد، فضم الهمزة مبنيا للمفعول نقلت ضمة الهمزة للام، وحذفت الهمزة وضمن أحد المعانى السابقة، وأما أن يقال: هل دخلت على أم بضم الهمز أمراً، فلا يصح، لأن همزة الأمر الثلاثى وصل لا حركة لها فضلا عن أن تنقل إلا أن يدعى أن اللام اختير لها ما للهمزة من الحركة لو ثبت، وليس نقلا، وهل الاستفهامية لا تدخل على الأمر، وعبارة الفراء هل التى للزجر.
{ الَّذينَ يشْهدُون أنََّ الله حرَّم هذا } أى المذكور فى التحريم من البحيرة ونحوها، ونصيب الأصنام، والأمر بإحضار الشهداء هو على ظاهره إذا قلنا إنهم رؤساؤهم، أمرهم أن يستحضروهم ليذكر لهم حجة بطلان دينهم، وإن كان المراد من يشهد لهم على صحة ما دانوا به من ذلك، ويحتج لهم بحجة صحيحة، فالأمر للتعجيز والتبكيت، إذ لا يجدون حجة صحيحة عند أحد، والأول أظهر وأنسب فى اللفظ، لأنه قيد الشهداء بالإضافة التى تفيد التعريف العهدى، شهداء مخصوصون منتسبون إليهم، ووصفهم بعمل آخر وهو أن لهم دعوى كدعواهم، وهى أن الله حرمها هذا لو كان القصد أمرهم أن يتكلفوا عدداً ما من الرجال يشهدون لهم، هلم شهداء يشهدون لكم أن الله حرم هذا، ولكن مع ذلك يصح الوجه الثانى لجواز أن يضاف الشهود لمن يشهدون له، ولو لم يعهدوا، ويقال: ائت بالشهود الذين تنفعكم شهادتكم، ووجه ذلك أن المدعى من شأنه أن يستشهد من يشهد له وهذا مفهوم.
{ فإن شَهِدوا فلا تَشْهد مَعَهم } يا من يمكن للشهادة، أو يا محمد لفظا، والمراد غيره معنى، لأنه لا يشهد، وهذا مما يدل على الوجه الأول، لأن الشاهد بحق لا ينهى عن الأخذ بشهادته، ولا يلزم هذا، لجواز أن يكون المعنى ليأتوا بمن يشهد لهم على دعواهم بالحق كائنا من كان، فإن جاءوا بمن يزعمون أنه محق يشهد لهم فشهد لهم، فإنه كاذب لا تتبعه فى شهادته، إذ لا يجدون شاهدا لهم شهادة حق، فمن شهد بكذبه وبين له بطلان شهادته لأنه مبطل البتة ولا تسكت، وإنما أخذت ذلك من حيث إنه إذا طلبهم إن جاءوا بشهادة فأتوا، فسكت فهموا أهم وغيرهم أنه أذعن لها وشهد بها على صدقها.
{ ولا تتَّبع أهْواء الَّذين كذَّبوا بآياتِنا } أى لا تتبع أهواءهم، فوضع الظاهر موضع المضمر ليصرح بأنهم على الهوى، وأن كل مكذب بآيات الله متبع لهواه، وإن كل من تتبع الحجة ولا يكابر عقله لا يكون إلا مصدقاً بآيات الله.
{ والَّذينَ لا يؤمنُونَ بالآخِرة } أنكروا البعث، وهم المذكورون أيضا الذين يكفى عنهم الضمير، ولكن أظهر لهم ليصفهم بعدم الإيمان بالبعث، وهم عبدة للأوثان كما قال: { وهُم بربِّهم يعْدِلون } أى يسوون الأصنام بربهم فى العبادة.