خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ
١٥٠
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ولمَّا رجَعَ مُوسى إلى قَوْمهِ } بنى إسرائيل من مناجات ربه { غَضْبانَ أسِفاً } حزينا عند ابن عباس والسدى، وشديد الغضب عند أبى الدرداء، قيل: إذا جاءك ما تكره ممن تقدر عليه حزنت، فالغضب هنا على قومه إذا اتخذوا العجل إلهاً، والحزن من حيث إن الله فتنهم.
{ قالَ بئْسَما خَلفْتُمونى مِنْ بَعْدى } ما مصدرية، أى بئس خلافتكم نكرة موصوفة بخلفتمونى، واقعة على خلافة، والرابط محذوف، أى بئس خلافة خلفتمونيها وهى فاعل، أو تمييز لفاعل مستتر، والمخصوص بالذم محذوف، أى خلافتكم، والخطاب لعبدة العجل، أى بئس مقام أقمتموه من بعد انطلاقى، أو من بعد إيضاحى لكم الحق وهو التوحيد إذ عبدتموا العجل، أو لهارون ومن معه من المؤمنين، أى بئس مقام أقمتموه عنى من بعد انطلاقى أو إيضاحى، إذ لم تكفوهم عن عبادة غير الله، أو للكل وهو أفيد، واختار بعضهم الثانى لقوله تعالى:
{ { اخلفنى فى قومى } وسكن غير نافع وابن كثير وأبى عمر ياء من بعدى.
{ أعجِلْتم أمْر ربِّكُم } منصوب على نزع الخافض، أى عن أمر ربكم، أى مأموره أو ضمن عجل معنى سبق فتعدى بنفسه، أى أسبقتموه مثل من كان مماشيا للشىء ثم سبقه وتركه وراءه، أو هو من عجل الذى بمعنى سبق لا المتعدى المضمن معنى سبق، وذلك أنهم تركوا أمر الله غير تام، وإتمامه أن يدوموا على العبادة والتوحيد، أو أن وعد الله على تمام الأربعين فسبقوه بعبادة العجل، أو قدروا موت موسى أو ضلاله عن الله، وغيروا كما تغير الأمم بعد أنبيائها، روى أن السامرى قال لهم بعد الثلاثين أو العشرين: إن موسى لا يرجع وقد مات، فأمر الله دينه أو وعده لموسى، وقيل: سخطه أى أعجلتم إلى سخطه.
{ وألْقى الألْواحَ } طرحها من شدة الغضب والحمية لدين الله، وشدة ملله منهم، كان يجتهد فى استقامتهم، وما زالوا يعوجون فتكسرت بإلقائه، فرفع من التوراة ستة أسباع ما فيها، وهى تفصيل كل شىء، وإخبار الغيب، وبقى سبع هو المواعظ والأحكام، والحلال والحرام، ونفس الألواح باق لقوله:
{ { أخذ الألواح } وقيل: لم تتكسر ولم يرفع منها شىء، وقد قيل: إن الألواح سبعة، وفى ذلك مصداق لشيئين:
الأول: ذم العَجَلة إذ غاب الله عليهم عجلهم أمر ربهم، أى أعاملتم أمر الله بقبيح وهو العَجَلة، وهى عمل الشىء قبل وقته، وليس قول موسى:
{ { وعجلت إليك رب لترضى } دليلا على حسن العجلة كما قال بعض فإنه لا يخفى أن الوقوف على الشىء فى وقته إذا كان محدودا بوقت أولى، بل أوجب، وأما السرعة فغير مذمومة وهى عمل الشىء فى أول وقته.
الثانى: ما يقال من أنه ليس الخبر كالعيان، فإن موسى قد أخبره بفتنة قومه بالعجل، فلم يلق الألواح وهو مصدق بأخباره تصديقا راسخا، فلما شاهد الأمر ألقاها.
وما قيل عن قتادة من أنه ألقى الألواح لما رأى فيها من فضيلة لهذه الأمة، لا لأمته غير صحيح عنه، وغير جائز وصف موسى به، ولو كان فى خلقه ضيق: ولذلك أخا لى أحب بنى إسرائيل هارون منه، إذا كان ألين وأسهل عليهما السلام، وكان هارون حمولا، وفى عرائس القرآن: ألقى الألواح فتكسرت فصعدت منها ستة أسباعها، وبقى سبع فى أعيدة له فى لوحين، وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يرحم الله أخى موسى ما الخبر كالمعاينة، لقد أخبره بفتنة قومه فلم يلق الألواح، ولما عاين الفتنة ألقى الألواح فكسرها" ، وعن تميم الدارى " قلت: يا رسول الله مررت بمدينة كيت وكيت - قرية من ساحل البحر - قال صلى الله عليه وسلم: تلك أنطاكية أما إن فى غار من غيرانها رضاضا من ألواح موسى، وما من سحابة شرقية ولا غربية تمر عليها إلا ألقت عليها من بركاتها، ولكن لا تذهب الليالى والأيام حتى يغزوها رجل من أهل بيتى يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما" .
{ وأخَذَ برأسِ أخِيهِ } هارون، أى بشعر رأسه، قال بعض: وكان ذوائب وذلك بيمين موسى، وأخذ بلحيته بشماله { يَجرُّه إليهِ } يجره موسى إلى نفسه غضبا إذ توهم أنه قصر فى كفهم، وحق على الخليفة أن يسير بسيرة مستخلفه، وقيل: فعل ذلك ليدنو منه فيكلمه سرا، فخشى هارون أن يتوهم الناظر إليهما أن ذلك لغضب، ولذلك نهاه ورغَّب إليه، وهو ضعيف لقوله: { { فرقت بين بنى إسرائيل } كذا قيل، وكان هارون أكبر من موسى كما يأتى فى سورة طه إن شاء الله.
{ قالَ ابْنَ أمَّ } منادى بمحذوف وأم مضاف إليه، والفتحة فيه لمناسبة الألف المحذوفة المبدلة عن ياء مضافة، وقيل: للتركيب تشبيها بخمسة عشر، ونسب لسيبويه، وقرأ ابن عامر وأبو بكر فى رواية حمزة والكسائى بكسر الميم، قال سيبويه: حذفت الياء تخفيفا كحذفها من لا أبالى، ولا أدرى، أو لجعل الاسمين كاسم واحد منادى، ثم أضافوه كقولك: يا أحد عشرى اقبلوا، كما يقال: يا غلام بكسر الميم وهذا أقيس ا هـ بزيادة وإيضاح.
وقيل: الفتح تخفيف للطول، وقرىء بإثبات الياء، وقرىء بكسر الهمزة والميم وإضافة اللام لأنه كان أخاه لأمه، وتضمن ذلك استعطافا، وقيل: كان أخاه لأبيه وأمه، واقتصر على الأم استعطافا وترقيقا فى اختصار، فإن الأم أرحم وأعظم حقا، لأنها التى قاست فيه المخاوف والشدائد، وذلك أدعى للعطف، قيل: ولأنها كانت مؤمنة واعتد بنسبها ا هـ اعتد بالنسبة إليها.
{ إنَّ القَوْم } عبدة العجل { اسْتضْعفُونى } اعتقدوا أنى ضعيف { وكادُوا يقْتُلوننى } لاجتهادى فى الوعظ والإنذار، والنهى ولست مقصرا { فَلاَ تُشْمِت } تُفْرح فإن الشماتة الفرح ببلية العدو { بِىَ الأعْداءَ } بفعلك بى ما هو إهانة ومكروه، وقرأ مجاهد فى حكاية أبى الفتح بفتح التاء والميم فقيل: إن شمت قد يتعدى والأعداء مفعوله، وقال أبو الفتح: لا تشمت يا رب بى، وجاز هذا كما قال:
{ { الله يستهزىء بهم } } { { ويمكر الله } } { { وهو خادعهم } للمناسبة، أى أولا تشمت بى يا موسى، والأعداء مفعول بتشمت بضم التاء وكسر الميم محذوفا متعديا بالهمزة كقراءة الجمهور، قال عياض: وفى كلام أبى الفتح تكلف، وقرأ بن محيصن فى رواية المهدوى بفتح التاء وكسر الميم، والكلام فيه كالكلام فى قرءاة مجاهد المذكورة، وقرأ مجاهد فى رواية أبى حاتم بفتح التاء والميم ورفع الأعداء، وكذا قرأ حميد بن قيس فى رواية أبى حاتم، إلا أنه قرأ بالياء التحتية، والمعنى عليهما نهى الأعداء عن الشماتة، والمراد نهيه عن فعل ما يشتمون به، وهذا كناية بذكر اللازم، وإرادة الملزوم مثل قولهم: أريتك هاهنا، والمراد لا تكن هاهنا، ومنه { { فلا يكن فى صدرك حرج منه } }. { ولا تَجْعلنِى مَعَ القَوم الظَّالمينَ } بعبادة العجل فى عقابهم، أو فى النسبة إلى الظلم، فإنهم ظالمون بعبادته، ولست بظالم بالتقصير، فإننى لم أقصر فى نهيهم عنها.