خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ
١٥٦
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ واكْتُبْ لنَا } أى أثبت أو أقسم أو قدر { لنَا فى هَذِه الدُّنيا } أى الأوقات التى هى أدنى وأقرب للفوت، أو فى هذه الدار التى هى كذلك، فلفظ الدنيا باق على الوصفية، فهو اسم جنس مقرون بأل المعرفة نعت أو بيان أو بدل، وإن جعل علما لتلك الأوقات أو الدار تعين أن يكون بيانا او بدلا، وأل فيه للمح الأصل، إذ لا مانع على الصحيح من قولك: أعجبنى هذا زيد، بإبدال زيد أو عطفه بيانا { حَسَنةً } من صحة جسم، ونصر وعافية، وسعة رزق، وتوفيق للأعمال الصالحة { وفى الآخِرةِ } الجنة وادعى بعضهم أن المعنى اكتب لنا فى الدنيا حسنة هى ثواب الأعمال، وفى الآخرة مغفرة لذنوبنا.
{ إنَّاهُدْنا إليكَ } تبنا إليك ورجعنا، يقال: هاد يهود أى رجع يرجع، أو هو مبنى للمفعول من هاده يهيده أى حركة وأماله، والمحرك والميل هو الله أو التوراة، وذلك على لغة من يقول فى البناء للمفعول قول ونوع، وقرأ أبو وجزة السعدى بكسر الهاء على البناء للفاعل والمفعول محذوف، أى هدنا إليك أنفسنا، أى حركناها وأملناها، أو للمفعول على اللغة الفصحى فى بناء قال وباع للمفعول بأن يقال: قيل وبيع وهيد، لكن حذف حرف العلة للساكن بعده، ومن الأول قول بعضهم:

أيا ركب الذنب هدهد واسجد كأنك هدهد

بضم الهاء ولو كسرت لزم فى السجع مثل سناد، والتوجيه فى الشعر أى تب، قيل: سميت اليهود لقوله: { إنا هدنا إليك } فهو اسم مدح، ولما نسخت شريعتهم ولم يقلعوا عنها صار لا أقبح للإنسان من أن تقول له أنت يهودى، وقيل: لتهودهم فى القراءة، فمن كان مسلما فليكن عند القراءة ولا يتشبه بهم.
{ قالَ } الله { عَذابِى } وسكن الياء غير نافع { أصِيبُ به مَنْ أشاءُ } تعذيبه من خلقى بالحكمة عدلا جزاء على فعله كالرجفة، والكل ملكى، فلا اعتراض لأحد علىَّ وقرأ الحسن، وطاووس، وعمرو بن فايد: من أساء بالسين المهملة وفتح الهمزة بعد الألف من الإساءة، ولم يتعلق بها خصوصا إنفاذ الوعيد، بل هى كغيرها فى إنفاذ الوعيد ولا بد، ولم يتعلق بها أن المرء خلق فعله، ولا مساس لها بذلك، والظاهر أن القارئ بها لم يقصد بها مجرد ذلك.
وزعم قومنا أن القرىءة يتعلق بها ذلك وهم مصيبون فى قولهم أن المرء غير خالق لأفعاله فنهوا عنها، وقالوا: إنها معتزلية، حتى قال الإمام أبو عمرو الدانى: إن هذه القراءة لا تصح عن الحسن وطاووس، وإن عمرو بن فايد رجل سوء، وقرأ بها سفيان بن عيينة واستحسنها فقام إليه عبد الرحمن المقرى، وصاح به وأسمعه فقال: لم أدر ما يقول أهل البدع، يعنى المعتزلة.
{ ورَحْمتِى وَسِعتْ كُلَّ شَئٍ } فى الدنيا، من مؤمن وكافر وبهيمة، وطمعت الأبالسة بظاهر الآية فى الجنة للعموم، ثم أويسوا بقوله: { فسأكْتُبها } أى ساقضى بها فى الآخرة وأثبتها { للَّذينَ يتَّقون } يحذرون الشرك والمعاصى، وقدر بعضهم يحذرون المعاصى، ولم يذكر الشرك إدخالا له فى المعاصى، أو للعلم بأن ترك سائر المعاصى لا ينفع مع الشرك، وقدر من زعم أن الموحد العاصى فى الجنة، ومن زعم أنه موكول للمشيئة يحذرون الشرك.
{ ويُؤْتون الزَّكاة } خصها بالذكر مع دخولها فى اتقاء المعاصى لشرفها ومشقتها على النفس، حتى إن اشتراطها يؤذن باشتراط سائر الطماعات، قيل: جعلها مثالا لجميع الطاعات، مع أن الطاعات داخلة فى اتقاء المعاصى، فإن من لم يفعل ما وجب فعله فقد عصى، كما عصى من فعل ما وجب تركه، وقال ابن عباس: المراد يؤتون الأعمال التى هى زكاة وطهارة لأنفسهم، وعليه فالفعل مبنى للمفعول، والتاء مفتوحة، والواو مسكنة سكونا حيا بخلافه على ما ذكر، وقيل: الزكاة هنا التوحيد، فالفعل مثله فى قول ابن عباس، فالمراد بالاتقاء اتقاء سائر المعاصى.
{ والَّذين هُمْ بآياتنَا يُؤمنُون } لا يكفرون بشئ منها، وذكر هذا لاستفادته من اشتراط التوحيد بقوله: { يتقون } أو بقوله: { ويؤتون الزكاة } على ما فى تفسيرهما، واليهود والنصارى طامعة فى ذلك كله، وإنما أيسوا بقوله: { الَّذينَ يتَّبعُون... }