خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ
١٦٥
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ فلمَّا نسُوا ما ذكِّروا بهِ } ما وعظهم به الطائفتان، أى تركوا تركا شبيها بزوال الشئ من الحافظة بالكلية، ويجوز وقوع ما على التذكير { أنجينا الَّذينَ ينْهوْنَ عَنِ السُّوء } من نهى وانقطع، ومن نهى ودام على النهى، والسوء صيد الحوت يوم السبت، أو المعصية مطلقا الشاملة لذلك { وأخَذْنا الَّذين ظَلمُوا } أنفسهم بمخالفة أمر الله { بعَذابٍ بَئيسٍ } أى شديد بكسر الباء وإسكان الياء منقلبة عن الهمزة، وهو وصف بوزن فعل بكسر الفاء وإسكان العين، وقال القاضى: يجوز أن يكون فعل ذم وصف به فجعل اسما مجروراً منونا، وذلك قراءة نافع وأبى جعفر وشيبة وغيرهما من أهل المدينة.
وروى خارجة عن نافع أنه فتح الباء وأسكن الياء وكسر السين منونة، وقرأ ابن عامر بكسر الباء وهمزة ساكنة بعدها تخفيفا بالنقل وكسر السين منونة، وقرأ أبو بكر فى رواية عاصم عنه بفتح الباء وإسكان الياء بعدها وهمزة مفتوحة بعد الياء، وكسر السين منونة بوزن فيعل، وبه قرأ الأعمش فى رواية، وقرأ باقى السبعة بفتح الباء وكسر الهمزة بعدها أو ياء ساكنة بعد الهمزة وكسر السين منونة، وهو رواية عن أبى بكر، ورواه ابو قرة أيضا عن نافع، ورواه حفص عن عاصم، وبه قرأ الأعرج ومجاهد، وأهل الحجاز، وأبو عبد الرحمن، ونصر ابن عاصم، والأعمش فى رواية، وهى التى رجح أبو حاتم، وقرأ أبو رجاء بائس كقائل وبائع وسائل.
وروى مالك بن دينار، عن نصر بن عاصم بيس بباء وياء مفتوحتين وسين مكسورة منونة، وروى عنه بفتح الباء وكسر الياء وكسر السين منونة، وقرأ أبو عبد الرحمن وطلحة بن مصرف بباء مفتوحة وهمزة مكسورة وكسر السين منونة، ونسبها أبو عمرو الدانى إلى نصر بن عاصم، وقرأ الأعمش فى رواية بئس بباء مفتوحة وهمزة مكسورة مشددة وسين مكسورة منونة، وقرأت فرقة بئس بباء مفتوحة وهمزة مكسورة وسين مفتحة، وهو فعل كما روى عن الحسن بيس بباء مكسورة وياء ساكنة وسين مفتوحة، وقرأ أهل مكة بيس بباء مكسورة بعدها ياء ساكنة وسين مكسورة منونة، وكسر الباء تبعا للهمزة.
قال أبو حاتم: هو لغة، وقرأ عيسى بن عمر والأعمش فى رواية بئيس بباء مفتوحة فياء ساكنة فهمزة مكسورة، وكسر السين منونة وهو شاذ، لأن فيعلا بكسر العين بابه المعتل كسيد، ولكن بعض يعد الهمزة حرف علة، أو هو من البوس بالواو والباس بالألف بلا همزهما، وروى نصر، عن عاصم بيس بفتح الباء وكسر الياء مشددة، وكسر السين منونة، وفيها ما فى التى قبلها، وعن الحسن والأعمش بئس بكسر الباء وإسكان الهمزة وفتح الياء وكسر السين منونة، وضعفها أبو حاتم، وعن الحسن بأس بفتح الباء وإسكان الهمزة وكسر السين منونة، وقرأت فرقة باس كذلك بألف، وفرقة بيس بالياء بوزن قعد وهو فعل، وكذا فى قراءة مالك بن دينار باس بألف بوزن قال.
{ بما كانُوا يفْسُقونَ } بسبب كونهم يفسقون، أو بالفسق الذى يفسقونه، وفسقهم الاعتداء فى السبت وغيره من المعاصى.
وزعم بعضهم أن القائلين: لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا الطائفة العاصية، قالوا للناهين: إذا كان الأمر كما تقولون فلم تعظوننا ونحن قوم مهلكون أو معذبون، والخطاب بالكاف للعاصية، ويرده بقاء قوله: { ولعلهم يتقون } حينئذ متعطلا، إلا أن يقال التفات من الخطاب للغيبة، أو القائلون لم تعظون فرقة من العاصية، والخطاب لها، والغيبة فى لعلهم يتقون لجملة العاصين، وقيل: فرقة عصت وفرقة نهت وهى نحو اثنى عشر الفا، وفرقة لم تنه وهى القائلة لم تعظون الخ.
أخبر الله أن الناهين نجوا، والعاصين هلكوا، ولم يخبر عن التى لم تنه، فقال الحسن وعكرمة وغيرهما: إنها نجت ووجه أنهم لم ينهوا لعلمهم أنه لا يقبل عنهم، والنهى ساقط إذا علم ذلك، ويجب الترك إذ كان سببا للتلهى به زيادة عن عدم القبول، أو لم ينهوا لأن النهى على الكفاية، وقد نهاهم غيرهم، وإن قالوا: لم تعظون إلخ بمحضرة العاصين فهو كاف فى النهى عند الحسن إذا ثبتوا لهم الوعيد على فعلهم.
ودخل عكرمة على ابن عباس وهو يقرأ فى المصحف هذه الآية ويبكى ويقول: والله ما أدرى ما فعلت الفرقة الساكتة؟ فقال عكرمة: جعلنى الله فداك ألا تراهم قد أنكروا وكرهوا ما هم عليه وقالوا: "لم تعظون قوما الله مهلكهم" وإن لم يقل الله أنجيتهم لم يقل أهلكتهم، فاعجبه قوله، ورضى به، وكساه بردين، وقال نجت الساكتة، وقال ابن زيد: هلكت الساكتة، فهذه أشد آية فى ترك النهى، وما ذكرته من أنهم افترقوا فرقتين نسبه الطبرى لابن الكلبى، واختار بعضهم أنهم افترقوا ثلاثا وبين ذلك العذاب البئيس بقوله: { فلمَّا عَتوْا... }