خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٨٠
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وللهِ الأسْماء الحُسْنى } أى التى هى أحسن من كل اسم، فإن الحسنى مؤنث اسم التفضيل الذى هو لفظ أحسن، أو التى هى حسنة، إخراجا لاسم التفضيل عن بابه، ولا حاجة غلى جعل الحسنى هنا مصدرا إلا إن أريد المبالغة، ووجه كون أسمائه حسنى أنها تدل على معانى الحسنى فى اتصاف الله، سواء كانت كذلك فى طبع المخلوق كالرحمة واللطف والهدى، أو كالحمد والتقديس والقهر والإجبار.
وزعم بعضهم أن حسنها بتحسين الشرع لإطلاقها والنص عليها، ويجوز أن يكون المراد أنها حسنة فى ذاتها، ويظهر حسنها بحسب مرتبة الذاكر فى صفاء القلب، والمراد بها الألفاظ، وقيل: ما تضمنته الألفاظ من الصفات، كالرحمة والعدل، وليست هنا بمعنى المسميات إجماعا، والمعنى أن هذه الأسماء مثل: الله، والرحمن، و الرحيم التى نتلفظ بها هى لله، وهو واجب الوجود لذاته، وهى أيضا أسماؤه فى الأزل، ولا تدل الآية على أن الاسم هى المسمى خلافا لما توهمه القشيرى والرازى.
وفى الحديث:
"أن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها" - أى حفظها كما عبر به فى رواية - حفظا تضمن تعظيمها والعمل بمقتضى معانيها - وقيل: عدها أى عدا تضمن ذلك، وقيل: حافظ على مقتضى معانيها، وعمل به، وقيل: "أحضر عند ذكر كل واحد منها معناه معظما راعبا راهبا فيورثه ذلك العمل بمقتضاها دخل الجنة" والله وتر ويحب الوتر، أى لا شريك له فى فعل، ولا صفة، ولا ذات.
هو: الله، وهو الاسم الأعظم عند كثير، الرحمن الرحيم، الملك القدوس، السلام المؤمن، المهيمن العزيز، الجبار المتكبر، الخالق البارئ، المصور الغفار القهار، الوهاب الرزاق، الفتاح العليم، القابض الباسط، الخافض الرافع المعز المذل، السميع البصير، الحكم العدل، اللطيف الخبير، الحليم العظيم، الغفور الشكور، العلى الكبير، الحفيظ المقيت، الحسيب الجليل، الكريم الرقيب، المجيب الواسع، الحكيم الودود، المجيد الباعث الوارث، الشهيد الحق، الوكيل القوى المتين الولى، الحميد المحصى المبدى المعيد، المحيى المميت، الحى القيوم، الماجد الواحد الأحد، الفرد الصمد، القادر المقتدر، المقدم المؤخر، الأول الآخر، الظاهر الباطن، الولى المتعالى، البر التواب، المنتقم العفو، الرءوف، مالك الملك، ذى الجلال والإكرام، المقسط الجامع، الغنى المغنى، الضار النافع، نور السموات والأرض، الهادى البديع، الباقى الرشيد، والتاسع والتسعون الصبور رواه المخالفون فإن صح فمعناه الحليم.
وليس ذلك حصرا لأسمائه باتفاق، بل المراد من أحصى هذه التسعة والتسعين دخل الجنة، وقد قال ابن العربى: إن لله ألف اسم، وإن الألف قليل، وجاء فى الحديث: "أسألك بكل اسم سميت به نفسك" أى أظهرت لنا أنه اسم لك، وإلا فأسماؤه قديمة، ويدل على ذلك قوله: أو استأثرت به فى علم الغيب عندك، وهى توقيفية عندنا وعند جمهور قومنا، وقال ابن الباقلانى: يجوز أن يطلق عليه كل اسم تضمن مدحا خالصا لا شبهة فيه، وفيه أن هذا لا يدركه إلا أقل العلماء، فإذا فتح ذلك الباب اجترأ كل من يدعى الإحسان، فيدخل فيها مالا يجوز.
وذكروا منها حنانا فإن صح فليس بأعظم من الرحمن، فيوجه بما وجه الرحمن من أن المراد به المنعم، أو مريد الإنعام، ولا إشكال فى منان.
واختلف هل يجوز أخذ اسم له مما ذكر فى القرآن مثل: { يستهزئ بهم } و { ويمكرون ويمكر ال } فقيل: يجوز بالتقليد فيقال: مستهزئ بالكافرين، وماكر بالذين يمكرون، وقيل: لا يجوز واما بلا تقييد فلا يجوز إجماعا.
وأما النور فيجوز عندنا بشرط إضافته إلى السماوات والأرض، وأجازه قومنا بلا إضافة، ورووه فى الحديث ويجوز جواد بتخفيف الواو، ولا يجوز سخى، ويجوز عالم، ولا يجوز عاقل، ولذلك ترى بعضا يقولون فى باب الموصول: من لم يعلم وما لغير العالم، لأن من تطلق على الله، ولا يقال فيه عاقل.
وفى التاج: ولا يجوز فى صفاته المتعزز ولا المتكبر، وفيه نظر لورود المتكبر فى القرآن، ولا تعزز ولا تكبر ولا تجبر لما تفعل من التكلف، وجاز تنزه من كذا، ولا يجوز افتخر، لأن الافتخار إنما يقع بين المتضادين، انتهى.
قلت: قد ورد فى الحديث وصفه بما معناه المفاخرة، ويصرف إلى ما يليق، ومثل تنزه تقدس، ومنعه بعض، والواضح جواب التفاعل، وما اشتق منه لا بمعنى التكلف، بل بمعنى المبالغة والتأكيد، وقد عبر أبو نصر بتقدس فى النونية، قال الشيخ إسماعيل فى شرحها: فإن قيل: ما الذى أطلقته العلماء على الله عز وجل مما ليس باسم ولا صفة ولا إثبات؟ فقل: تبارك وتعالى وجل وعز وتعظم وتقدس وتجبر فهؤلاء تنزيه. انتهى.
وقد أثبت فى آخر السؤال الثانى والأربعين من كتاب السؤالات: التكبر والتعظم والتقدس والتجبر صفات متجبر ومتعظم ومتقدس ومتكبر أسماء الله.
{ فادْعُوهُ بِها } أى سموه بها، أو اذكروها فى طلبكم إياه، وروى أن أبا جهل سمع صحابيا يقرأ فتارة يذكر الله، وتارة الرحمن ونحو ذلك، فقال: يزعم محمد أنه يعبد إلهاً واحدا وهو يعبد آلهة كثيرة، فنزلت الآية.
ولا يجوز فى الدعاء أن يقال: بحقك على نفسك، ولا بحق نبيك، ولا بحق سورة كذا عليك، ويجوز بنبيك، أو رسولك، أو بسورة كذا، أو باسمك الأعظم، أو باسمائك أو بأنبيائك أو رسلك، أو بكتابك أو بغير ذلك مما عظمه الله، وفى بعض الكتب: لا يجوز باسمك الأعظم، وفى أسمائك وملائكتك خلاف انتهى.
وذكر بعضهم صفة الدعاء للأسماء أن يقال:
يا الله يا الله يا إله الأولين والآخرين، وقامع المردة والجبارين، ومذل العظماء والمتكبرين، يا رب العالمين، بإحسانك نستعين، فأنت خير ولى وخير معين.
يا رحمن الدنيا والآخرة، وجامع العظام النخرة، ومولى النعم الفاخرة.
يا رحيما بالمؤمنين، وغافر ذنوب العاصين، ومخلد فى جهنم الكافرين.
يا مالك الأمر فى يوم الدين، الطُفْ بنافى ذلك اليوم، واجعلنا من أهل الصلاة والصوم، واسلك بنا سبيل المهتدين، وجنبنا عن كل شئ يشين، إنك على كل شئ قدير.
يا محيط يا محيط، أحاط علمك بجميع المعلومات، وأقرت بألوهيتك الكائنات، وسبقت إرادتك فى المخلوقات.
يا قدير يا قدير، تعلقت قدرتك بالجائز من الموجودات، فظهرت فى الأحياء والجمادات، وأقربها المماليك والسادات.
يا عليما يا عليما بالجزئيات والكليات، والسفليات والعلويات والموجودات والمعلومات.
يا حكيم يا حكيم، ظهر إحكام صنعتك فى خلقك، وبان بذلك ما يجب لك، فلا مخلص لكبير ولا صغير من رقك.
يا تواب يا تواب على الآيبين يا رب العالمين، وسلطان السلاطين، نسألك أن ترفعنا إلى أعلى عليين، وتنظمنا فى سلك أحبابك المقربين.
يا بصير يا بصيرا بعيوبنا استرها، وعليما بذنوبنا اغفرها ومحيطا بأحوالنا دبرها.
يا واسع يا واسع وسع أرزاقنا، وحسن أخلاقنا.
يا بديع يا بديع بصر عقولنا، فى بديع مصنوعاتك، وثبت قلوبنا على الحب لذاتك وصفاتك، وطهر نفوسنا بما تواليه علينا من بركاتك.
يا خبير يا خبيرا بأحوال المخلوقين، اجعل حالنا من أحوال الصديقين.
يا خالق يا خالق اخلق فى قلوبنا هيبة لجلالك، وحياء من ارتداء كمالك.
يا مصور يا مصور صورت العالم على ما سبق فى سابق إرادتك وعلمك، وأظهرت الحكمة، فى صغيره وكبيره على وفق حكمته، وحكمتك، وأجريته فى ميدان قهر القدرة، فلا ملجأ منه ولا مغر.
يا غفار يا غفار إن ذنوبنا جمة فاغفرها، وعيوبنا كثيرة فاسترها، وأنفسنا كبيرة فاجبرها، وشياطيننا متمردة عليا فازجرها.
يا قهار يا قهار قهرت العباد بالموت فليس لهم منه مهرب، ولا فوت، ذلت لجبروتك رقاب الجبابرة، وخضعت لكبريائك كبرياء الأكاسرة.
يا وهاب يا وهاب هب لنا من طرق نعمتك ما تطهر به نفوسنا، وتقرب منك كسير قلوبنا، وجنين أرواحنا، وتنور بنوره ما أظلم من بصائرنا.
يا رزاق يا رزاق ارزقنا من خزائنك الواسعة، وأدم علينا رحمتك القريبة السابقة، وأدم نعمتك الكثيرة، ومنتك الوثيرة.
يا فتاح يا فتاح افتح علينا من علومك اللدنية، واصرف إلينا ما يرقينا إلى الأنوار السنية، وارفع عن بصائرنا ما ردِّ من الحجاب، وأدخل علينا الملائكة بالتحية والإكرام من كل باب.
يا قابض يا قابض اقبض عنا يد الوساوس الشيطانية، واكفف جماح جهالات الخواطر الإنسانية، ولذذنا بحلاوة تلاوة كتابك، واكتبنا فى زمرة أحبابك.
يا باسط يا باسط ابسط أرزاقنا الجسمانية والروحانية، ووسع لنا سرادقات أسرارك اللدنية، وأقمنا على بساط انبساط المشاهدة، ولذذنا بطيب دوام المراقبة.
يا حافظ يا حافظ حفظت بجلالك المخلوقات، وتلاشت لجبروتك المحدثات، فاحفظ أعياننا مما يضرنا، وأنلنا من العافية والمعافاة فى الدنيا والآخرة ما به نفعنا.
يا رافع يا رافع ارفع حقير ما انخفض من أحوالنا، وبارك فى قليل ما لا يؤبه به من أعمالنا، وأيدنا واحشرنا فى زمرة المقربين من أحبابك البررة، وأغثنا بالملائكة الكرام السفرة.
يا معز يا معز أعزنا بعز الطاعة، وأمتنا على سبيل السنة والجماعة الصائبة، ويسر علينا إتيان خير الخيرات، وجنبنا ما كبر وصغير من المنكرات.
يا مذل يا مذل لا تذلنا بذل المعاصى، واكفنا أليم عقابك إنك على كل شئ قدير، وبالإجابة جدير.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه القائمين على العهد، والتابعين بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.
ولا يجوز أن يقال: ما أعلمك وما أعظمك ونحو ذلك، كذلك قالوا، قلت: بل يجوز ذلك لقول جابر بن زيد: إن لله ملكا رأسه فى السماء السابعة، ورجلاه فى الأرض السفلى إحدى زوايا العرش على كاهله يقول: سبحانك ما أعظمك، قال بعضهم: الله والإله، والرب والخالق، والبارئ والمصور، والمبدئ والمعيد، والمحيى والمميت، تصلح أذكارا للذاكرين، فالله والإله ذكر لأكابر المؤلهين فى الغالبين، والرب والخالق والبارئ ذكر لأكابر السالكين والمربين، والمصور والمبدئ والمعيد والمحيى والمميت، ذكر عباد الله المعتبرين والمتبصرين.
{ وذَرُوا الَّذينَ يُلْحدونَ فى أسمائِهِ } قال ابن زيد: اتركوا الذين يميلون عن الحق فى أسماء الله سبحانه وتعالى لا تحاجوهم، ولا تتعرضوا لهم، فهى منسوخة بآية السيف، وأقول: ليس الأمر كذلك لجواز أن يكون ذلك وعيدا وتهديدا لقوله:
{ { ذرنى ومن خلقت وحيدا } وصرح بالوعيد فى قوله: { سيُجْزونَ } فى الآخرة { ما } مفعول ثان أو على تقدير الباء { كانُوا يعْمَلونَ } من الإلحاد فى أسمائه وغيرها، ولجواز أن يكون المعنى لا تتابعوهم فى إلحادهم فى أسمائه، أو ذروا إلحاد الذين يلحدون فيها، والإلحاد فيها إما بتسمية غيره بها كما سموا الصنم اللات اشتقاقا من لفظ الجلالة، وسموا الآخر العزى اشتقاقا من لفظ العزيز، وسموا الثالث مناة اشتقاقا من المنان، ويسمون الأصنام آلهة وأربابا، وبذلك قال ابن عباس.
وإما تسمية بما لا يجوز كقولهم: يا أبا المكارم، يا أبيض الوجه، يا سخى، وقول البربر: باب رب، ولو كان الصحيح عدم إشراكهم بذلك، لأنهم أرادوا المولى والسيد لا الوالد، وإما بإنكارهم بعض الأسماء كانوا يقولون الله ولا يقولون الرحمن، ويقولون لا نعرف إلا رحمن اليمامة، وإما بوصفه بما لا يجوز كوصفه بالجبر على الأعمال، ووصفه بأنه غير خالق لأفعال العباد، أو بأنه غير خالق للشر والفحشاء والمنكر، ووصفه بأنه غير شاء للقبائح، فإن الحق أنه شاءها بمعنى كانت ممن كانت بإرادته وقضائه.
ولا يخلو جواب جار الله من ذلك، ووصفه بجواز رؤيته، وقد قالت العرب وغيرها: أرنا ربك يا محمد، ولا يخلو من هذا إخوان القاضى قبل، وإما بعدم لمراعاة الأوب فيها مثل أن يقول: يا ضار ولا يذكر يا نافع، ويقول: يا مانع ولا يقول يا معطى، ويقول: يا خالق القردة، والصواب يا خالق الخلق، وإما بتسميته بما لا يعرف معناه لئلا يقع فيما لا يليق، وقرأ حمزة وحده، وابن وثاب، وطلحة. وعيسى، والأعمش هنا وفى النحل والسجدة بفتح الباء والحاء من لحد، والمعنى واحد، وقرأ الكسائى فى القرآن بضم الباء وكسر الحاء إلا فى النحل فيفتحهما، ويقول: ألحد بمعنى مال وانحرف، ولحد بمعنى ركن، وجعل منه ما فى النحل ذكره الفارسى.