خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
١٨٧
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يسْألونَكَ عنِ السَّاعةِ } أى وقت موت الخليقة كلها، وهو اسم مغلب على ذلك الوقت، وسمى ساعة لوقوعه بغتة، والعرب تمثل فى لأمر السريع بالساعة، أو لسرعة حسابه فينقضى فى ساعة، أو لأنه على طوله كساعة عند الله، أو للتضاد بأنه طويل سمى باسم القصير، كما قد يسمى السماء أرضا، والطويل قصيرا، وما ذكرته من سرعة الحساب والطول إنما هو بالنظر إلى ما بعد الموت من البعث، والساعة تطلق على وقت موت الخليقة، وعلى وقت البعث، وعلى وقت الموت إلى ما لا ينتهى، وقيل: إلى دخول أهل الجنة و النار إياهما، وكذلك يوم القيامة إطلاقا أو خلافا.
{ أيَّانَ } نونه أصل لا زائد، وقرأ أو أبو عبد الرحمن السلمى بكسر الهمزة أى متى { مُرْسَاها } أى إرساءها، أو زمان إرسائها، كما تقول: متى يوم الجمعة، والإرساء إثبات الجسم الثقيل، والرسوُّ ثبوته، واستعمل الإرساء فى الساعة تشبيها لها بالجسم الثقيل، ولا اشتقاق ولا أخذ لأيَّان، ولا لأى من شئ، وقال ابن جنى: أيَّان مشتق من أى، وأى مشتق من أوى إليه أى انضم، وأراد بالاشتقاق الاشتقاق الكبير أو الأخذ وإلا فالاشتقاق فى غير المتصرف يأباه الأكثرون، نعم أى متصرف وقد اختلف: هل الاشتقاق من الفعل أو المصدر؟ وعليه فالنون زائد، ولم يقل مشتق من أين، لأن أين للمكان، وقيل: أصل أيَّان أى آن، ومرساها مبتدأ أو أيَّان متعلق بمحذوف خبر، وقال المبرد: مرساها فاعل لمحذوف أى يجئ أو يحضر وأيَّان متعلق بالمحذوف.
روى عن ابن عباس: أن جبل بن أبى قشير، وسمويل بن زيد اليهوديين قالا: إن كنت نبيا فأخبرنا متى الساعة فإنا نعلم متى هى، فإن صدقت آمنا بك؟ فنزلت الآية كلها فى ذلك، وكذبهم فى ادعاء علمها بقوله:
{ قُلْ إنَّما عِلْمُها عِنْدَ ربِّى } لا يعلم وقتها ملك مقرب، ولا نبى مرسل، وهو جواب مفصح عن رسالته صلى الله عليه وسلم، لأنها كانت مبهمة أيضا فى كتابهم، لا يعلم أحد وقتها، وحكمة إخفائها أن يكون المكلف على شفقة منها، فيستعد لها، وضربت لها علامات تدل على قربها، فيشتد استعداد من حضر تلك العلامات من الموفقين، ومن علاماتها: أن تلد الأمة ربَّتها، أى يكثر التسرى، فإن بنت الأمة المتسراة سيدة لها، مالكة لها بموت أبيها فتعتق عنها، أو يكثر حتى إنها لتلد بنتا ستملكها إذا افترقتا، بأن لا تعلم أنها أمها أو غير ذلك، وقال قتادة بن دعامة: سألته قريش وقالوا: إنا قرابتك فأخبرنا عنها وهو قول الحسن:
{ لا يُجلِّيها } لا يظهرها بإحضارها { لوقْتِها } هى لام التوقيت، واختار بعض أن يكون المعنى عند وقتها أو فى وقتها، ونقول لا يخرج ذلك عن معنى لام التوقيت، وعلى كل فليس فى الآية ظرفية الشئ لنفسه، بأن نعتبر أن المراد لا يجلى أمرها، أو نعتبر عموم وقتها وسعته حتى يكون ذلك من ظرفية الجزء فى الكل، فالساعة وقت موت الناس، والوقت هو هذا الوقت وما بعده.
{ إلاَّ هُوَ } أو لا يخبر بوقتها إلا الله لو لم يسبق علمه أنه يخفيها، وتشديد يجلى للمبالغة، وهى راجعة إلى النفى أى ننفى انتفاء بليغا أن يظهرها غير الله، فهى خفية عن كل أحد حتى يحضرها، أو غير راجعة إلى النفى، فيكون المعنى إن إظهارها أمر عظيم لا يفعله إلا ربى { ثَقُلتْ فى السَّماواتِ والأرْضِ } ثقل أمرها أى اشتد على أهل السماوات والأرض، لعظم هولها وخفائها، والفناء ثقيل فى القلوب، وإذا كانت هكذا فليستعدوا لها، ففى ذلك إشارة إلى حكمة إخفائها، والآية مثل قولك: خيف العدو فى ثغر وشقة، تريد خيف على من فيه، أو خافه من فيه، كذا يظهر وهو قول الحسن، وقال السدى، ومعمر عن بعضهم: ثقل أن تعلم ويوقف على حقيقة وقتها، أى امتنع ذلك فعبر عن الامتناع بالثقل، لأن الثقيل متعاص، وقال قتادة وابن جريج: ثقلت على السماوات والأرض لتفطر السماوات، وتبدل الأرض، ولنسف الجبال، ولا مانع من أن يقال: المراد مجموع هذا القول والأول.
{ لا تَأتيكُم إلا بغْتةً } فجأة حال مبالغة أو مؤول بباغتة إذا أتى بغتة، أو مفعول مطلق أى الإتيان بغتة بالإضافة، وفى الحديث: "تقوم وقد نشر الرجلان الثوب للبيع فلا يباع ولا يشترى ولا يطوى، وقد انصرف الرجل بلبن لقحته، أى ناقته القريبة العهد بانتاج، بفتح اللام وكسرها، فلا يطعمه، والرجل يلوط حوضه أو قال: بليطوها لغتان، أى يصلحه لتشرب دوابه فلا تشرب، والرجل يسقى ماشيته فما يتم سقيها، والرجل يقوم سلعته فى سوقه، وروى يقم والمعنى على هذه الرواية يصلحها بنقض الغبرة أو بغيره، والرجل يخفض ميزانه فما يرفعه يخفضه، والرجل قد رفع أكلته إلى فيه بضم الهمزة أى لقمته فما تصل فاه".
{ يَسْألونَكَ } عنها { كأنَّك حَفىٌّ } مستقص وباحث جدا { عَنْها } بالسؤال، فعنها متعلق بحفى، ومتعلق بيسألونك مقدر كما رأيت يقال: حفى عن الشئ أى سأل عنه سؤالا بليغا يستحكم علمه فيه، وقيل: متعلق بمحذوف أى حفى بالسؤال عنها، أى مستقص به لحبك أن يسألونك عنها، أو أن تسأل عنه غيرك، مع أنك تكره ذلك لاستئثار الله سبحانه بها، وقيل: متعلق بحفى على أن عن بمعنى الباء، أى كأنك عالم بها علما بليغا إطلاقا للسبب، والملزوم وهو السؤال البليغ على اللازم، والمسبب وهو العلم وقد قرأ ابن مسعود: كأنك حفى بها، لكن تحتمل قراءته كون الباء بمعنى عن أى سائل جدا عنها، ونسب أبو حاتم هذه القراءة لابن عباس، وقيل: عن متعلق بيسألونك، ومتعلق حفى محذوف، أى يسألونك عنها كأنك حفى بها، أى عليم، وقيل: حفى من الحفاوة وهي الشفقة، فعن متعلق بيسألونك، ومتعلق حفى محذوف أيضا، أى رحيم بهم بحيث تخصهم بالإخبار بها مع أنك لو علمت بها وكنت تخبر لأخبرت القاصى والدانى سواء، وهذا أنسب بقول قريش: إنا قرابتك فأخبرنا بها، وإنما كرر ذكر السؤال للمبالغة، وليزيد فى الثانى كأنك حفى عنها، وقيل: لأن الأول عن وقت قيامها، والثانى عن حالها انتهى بتصرف.
{ قُلْ إنَّما عِلْمها عِندَ الله } كرر لتكرير ذكر السؤال وللمبالغة، وقيل: لأن العلم الأول علم وقت قيامها، والثانى علم حالها وشدائدها، ولذا عبر فيه بلفظ الجلالة لأنه أعظم الأسماء { ولكِنَّ أكْثر النَّاس لا يعْلَمُونَ } أن علمها مختص بالله سبحانه، قاله الطبرى، وهو أولى من قول بعضهم: لا يعلمون الحكمة فى إخفائها، إذ لا دليل على هذا.