خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ
٢٤
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قالَ اهْبطُوا } خطاب آدم وحواء عليهما السلام، وإبليس أبعده الله، وقال الطبرى وأبو صالح والسدى: هو لهم وللحية ولو لم تذكر، وقيل: لآدم وحواء وذريتهما، وقيل: لهما وذريتهما وإبليس وذريته، وضعف القولان بأن الذرية لم توجد فى ذلك الوقت، وبعد وجودها لا يتعلق بها الهبوط، لأنها توجد فى الأرض، بخلاف الأمر بنحو الصلاة لِمَ سيوجد فإنه إذا وجد مكث منه، ويجاب بأن الذرية فى ضمن آدم وإبليس، وهما مشتملان عليهما، وإنما كرر الأمر لإبليس بالهبوط تبعاً ليعلم أنه وآدم وحواء قرناء فى العداوة أبدا، فإن الذرية تابعة فى المعاداة، قال القاضى: أو أخبر عما قال لهم مفرقا، قيل: مكث آدم وحواء فى الجنة نصف يوم من أيام الآخرة، وهو خمسمائة عام من أعوام الدنيا، وقال الحسن: ساعة من النهار وهى مائة سنة، وقيل: مكثا ثلاثة وأربعين عاما من أعوام الدنيا، وقيل: بعض يوم من أيام الدنيا وهو ساعة من يوم الجمعة، وذكر بعض أن الطاووس خرج من الجنة أيضا، وأن له سببا فى دخول إبليس الجنة وخروج آدم منها.
{ بعضُكم لبعضٍ عدوٌّ } الجملة حال مربوطة بالضمير وحده، وذلك فصيح لا ضعف فيه على الصحيح، ولو كان الربط به مع واو الحال أفصح وأقوى، وعدو هنا مفرد لم يرد به الجماعة، لأن المعنى الواحد معاد للآخر، وسها من قال: إنه هنا بمعنى الجماعة، وإن قلت: ليس آدم معاديا لحواء، ولا حواء معادية له، ولا ذريتهما معادية لهما، ولا معاداة بين الحية وإبليس؟
قلت: ليس المراد أن كل واحد عدو للآخر، بل المراد أن العداوة ثابتة فى الجملة بين الأبعاض، فإن آدم معاد لإبليس، وحواء معادية له أيضا، وهو معاد لها ومعادٍ له أيضا، وآدم معاد للحية، وحواء معادية لها أيضا، والحية معادية له ولها أيضا، وذلك حكم على المجموع، وقد يوجه القول أن عدواً هنا بمعنى الجماعة، بأن الحال مقدرة، وأن المعنى اهبطوا مقدرة العداوة بين ذريتكم، والأولى ما ذكرته.
وهكذا أذكر مذهبى فى المعنى والإعراب وغيره، وأذكر مذهب غيرى، ولو شئت والحمد لله لفسرت القرآن كله بما يظهر لفكرى وأقتصر عليه، فلا يرى من توغل فى المعقول والمنقول معا أحسن منه، ولكنى أقصد الاحتياط، فذكرت ما ظهر لى وما ظهر لغيرى، وربما اقتصرت على ما ظهر لغيرى لأكون من أهل الدرجة الوسطى فى التفسير، فإن أهله ثلاثة أقسام:
الأول: من يغوص بفكره ويقتصر على قوله.
والثانى: من يذكر قوله وقول غيره.
والثالث: من يقتصر على قول غيره، ويسمى ناقلا.
أما نحن فمعادون إبليس وهو وأولاده معادون لنا فى أمر الدنيا والآخرة، حتى أنهم ليسرهم عثرة يعثرها المؤمن، أو شوكة يشاكها حنقاً عليه وطمعا أن يسخط قدر الله أو يحزن فيشتغل عن العبادة، وأما الحية فقد قال صلى الله عليه وسلم فيهن:
"ما سالمناهم منذ حاربناهم" وقال ابن عمر: من تركهن فليس منا، قال بعضهم لا تقدر على آدمى إلا لدغته، ولا يقدر عليها الآدمى إلا شدخ رأسها.
قالت عائشة: من ترك حية خشية من ثأرها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وروى ذلك حديثا، وقد روى أن من قتل حية كمن قتل كافراً، وذكر بعضهم أن من قتلها أو عقربا كمن قتل كافراً، وذلك فى الحل والحرم، بل أقول قتلها فى الحرم أوجب وأعظم أجراً ولو لم تتعرض لأحد، ولم يرد فيهن استثناء إلا ما ورد أن جنا بالمدينة أسلموا، فمن رأى من هذه الحيات شيئا فى بيته فليخرج عليه ثلاثا، فإن رآه بعد ذلك فليقتله فإنما هو كافر، رواه الشيخ هودرحمه الله والثعالبى مرفوعا، وذكر بعض أن الحية فمها مسخ من ذرية إبليس.
{ ولكُم فى الأرض مُستقرٌّ } أى استقرار، فهو مصدر ميمى أو موضع تستقرون فيه، فهو اسم مكان، والمراد ذلك فى زمان الحياة عند أبى العالية، وفى القبر عند ابن عباس، ولا مانع من القول ذلك كله كما قال الله سبحانه:
{ { ألم نجعل الأرض كفاتا * أحياء وأمواتا } }. { ومَتاعٌ } تمتع وانتفاع، أو ما تتمتعون وتنتفعون به { إلى حينٍ } هو وقت موت كل على حدة، فلكل أحد أجل، وقيل: يوم القيامة، فإنه ما لم تقم القيامة لا تخلو الدنيا من متمتع ومن يستقر، وهذا باعتبار إبليس وذريته وذرية آدم، فالغاية راجعة إلى المستقر أو المتاع، ولك إرجاعها إليها، وتفسير الحين بوقت الموت، فكل من آدم وحواء للمتاع فقط، ولا وجه لجعله غاية له مرادا به التمتع فى القبر كما قيل، إذ لا تمتع فى القبر إلا على قول من نفى عذاب القبر، قيل: أهبط آدم بالهند، وحواء بجدة، وتمناها بمنى، وعرف حقيقة أمرها بعرفة، واجتمع بها بجمع، ولم أذكر هذا فى شرح النيل، وذكرت غيره، وأهبط إبليس بميسان، وقيل بالبصرة، وقيل: بأيلة، وقيل بمصر، فبات فيها وفرح.
قال ابن عمر: بسط فيها عبقرية وهو أبو الجن، وقيل: إنه واحد من الجن، وقد كانوا قبله قاتلهم الملائكة فى الأرض وهم كفار فأسروه صغيراً، فنشأ على العبادة، وقال الله له: مسكنك الحمام، ومجلسك الأسواق، ولهوك المزامير، وطعامك ممَّا لم يذكر عليه اسمى، وشرابك المسكر، ورسلك الشهوات، وحبائلك النساء، وأهبط الحية بأصبهان.
ولما حضرت الوفاة آدم أحاطت به الملائكة، وجعلت حواء تدور حولهم، فقال لها: خلى ملائكة ربى فإنما أصابنى منك، ومات وغسلوه بماء وسدر وتراً، وحنطوه وكفنوه فى وتر، ولحد واله، وذلك فى سرنديب بواد من الهند، وقالوا لبنيه هذه سنتكم بعده، قيل: مات قبل حواء بسنة، وقيل: بثلاثة أيام، وعاش ألف سنة، وقيل: إلا ستين سنة، وقيل إلا سبعين، وقيل: إلا أربعين.