خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٢٨
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وإذا فَعلُوا فاحِشةً } ما تبلغ من الذنوب فى القبح كعبادة الصنم، وكشف العورة فى الطواف وغيرها ونهوا عنها { قالُوا وجَدْنا عَليها آباءنا } فاقتدينا بهم، وهذا جواب بالتقليد، أعرض الله سبحانه عنه، ولم يجب عنه لطرور فساده عقلا من غير نظر إلى شرع، فإن التقليد ليس بطريق للعلم.
{ واللهُ أمَرنا بها } هذا جواب بالافتراء على الله أجاب عنه بقوله: { قُلْ إنَّ الله لا يأمر بالفحشاءِ } لاستحالة فعل القبيح عنه، لعدم الداعى وتنزه ذاته، ولجريان عادته على الأمر بمجلس الأفعال، والحث على مكارم الخصال، فكيف يأمر بفعل القبيح، والأمر كالفاعل.
وعن ابن عباس ومجاهد: الفاحشة طوافهم بالبيت عراة الرجال والنساء، وروى أنهم يطوفون بالنهار عراة، ويطفن بالليل عاريات، فقال عطاء: الفاحشة الشرك، ويأمر منزل منزلة اللازم، أى لا يمكن منه الأمر بها، أو مفعوله حذف للتعميم، أى لا يأمر أحد إلا إياكم ولا آباءكم ولا غيرهم، وقد قيل: إن قوله: { والله أمرنا بها } جواب لسؤال مقدر محكى فى الآية، أى وإذ قيل لهم: من أين أخذ آباؤكم؟ قالوا: آباؤنا: الله أمرنا بها، وهذا أيضا تقليد ممتنع لقيام الدليل على خلافه.
ولا دليل فى الآية على أن قبح الفعل بمعنى ترتب الذنب عليه فى الأجل عقلى، لأن المراد بالفاحشة ما ينفر عنه الطبع السليم، وبه يحكم العقل عند غير المنزلة لا ما هو مذموم للعقل فى حكم الله تعالى، وبهذا يحكم العقل عند المعتزلة، ويحتمل أن يكون قولهم: { والله أمرنا بها } لم يقصدوا به كذبا، بل اعتقدوا أن الله لو كره ما فعلوه لنقلهم عنه، وإذ لم ينقلهم عنه فهو راض به.
ويدل له ما روى عن الحسن: أن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم إلى العرب وهم قدرية مجبرة يحملون ذنوبهم على الله، بل قال تصديق ذلك قوله عز وجل: { وإذا فعلوا فاحشة } الآية والآية منقطعة عما قبلها، ويجوز دخولها فى صفات الذين لا يؤمنون المذكورين قبلها، قيل ليقع التوبيخ بصفة قوم جعلوا مثالا للموبخين، إذا شبه فعلهم فعل الممثل بهم.
{ أتقولُونَ } هذا توبيخ، ومن قال أنكر فمراده إنكار أن يكون ما يقولون حقا أو إنكار أن يصح لهم أن يقولوه { عَلى الله ما لا تعْلمونَ } صحته، فإنه لم يأتكم به ملك أو نبى من الله، كيف وقد أنكرتم النبوة ولا تقدرون على الاستماع من الملك وكذا آباءكم.