خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ كَافِرُونَ
٤٥
وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ
٤٦
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ الَّذينَ يصُدُّون } يعرضون أو يمنعون الناس { عَنْ سَبيلِ اللهِ } وهو الإسلام والطاعة، والذين نعت للظالمين، أو لمنعوت الظالمين، أو خبر لمحذوف على الذم: أو مفعول لمحذوف على الذم.
{ وتبْغُونها } أى سبيل الله، فإن السبيل يؤنث ويذكر، والتأنيث أكثر { عِوجاً } حال أى معوجة، أو ذات عوج، وصاحب الحال ضمير النصب، أو معوجين، أو ذوى عوج، فصاحبه ضمير الرفع، أو مفعول مسرح ليبغى، على أن المتصل به فى تقدير المقيد، الأصل يبغون لها عوجا، أى يطلبونه، وعلى كل حال فالمعنى أنهم حاولوا أن يبدلوا دين الله، وقيل: طلبوا سبيل الله بالعمل لغيره، وتنظيم غيره كالصلاة والذبح للأصنام، والعوج بكسر العين فى المعانى والأعيان غير المنتصبة، وبفتحها فى المنتصبة كالحوائط والرمح.
{ وهم بالآخرة كافرون * وبيْنَهما } بين الفريقين لئلا يقتبس الكافر من نور المؤمن، أو بين الجنة والنار لئلا يصل أثر أحدهما إلى الآخر { حِجابٌ } ستر وهو السور فى سورة الحديد.
{ وعَلى الأعْرافِ } أى الأعالى من ذلك الحجاب، أو أل عوض عن الضمير أى أعاليه، جمع عرف مستعار من عرف الديك لارتفاعه على ما سواه من جسده، أو من عرف الفرس، وقيل: العرف كلما ارتفع من الأرض، وقيل: ما ارتفع من الأرض وغيرها، فإنه يكون بظهوره أعرف من غيره، وعن ابن عباس: الأعراف تل بين الجنة والنار، وقال السدى: سمى ذلك الموضع بذلك لأن أصحابه يعرفون الناس، قيل: وهذه عجمة.
وعن السدى وابن عباس: الأعراف الشىء المفرط، وعنه أنه هو نفس الحجاب المذكور الذى هو السور المذكور فى سورة الحديد، وقيل: هو أحد أو أعاليه ينقل إلى ذلك المقام، قال صلى الله عليه وسلم:
"إن أحداً نحبنا ونحبه وإنه يمثل يوم القيامة بين الجنة والنار يحتبس عليه أقوام يعرفون كلا بسيماهم هم إن شاء الله من أهل الجنة وإن أحداً على ركن من أركان الجنة" .
{ رجالٌ } سعداء يحبسون عليه بين الجنة والنار عقابا لهم لكثرة تلذذهم بالمعاصى، وقلة عبادتهم، غير أنهم ماتوا على التوبة، هذا ما ظهر، وعن حذيفة، وابن مسعود، وابن جبير، والضحاك: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، والميزان يرجح بمثقال ذرة، ولم يرجح لهم وقد ماتوا على خير فيدخلون الجنة بعد القضاء بين الخلق، فلسعادتهم وموتهم تائبين استحقوا الجنة، ومحيت سيئاتهم بحسناتهم، وحبسوا بعدم زيادة حسناتهم، فلا إشكال ولو استشكله أو ستة، ولا ينافى هذا كون سيئاتهم تبدل حسنات، لأن أثر هذا الإبدال فى الدرجات، أو لأن معنى الإبدال توفيقه إلى عمل الحسنات بدل السيئات.
ويقول حذيفة قال ابن عباس، وقالا: إن الله يأمر بهم إلى عين الحياة، وحافتاه قضبان الذهب مكللة باللؤلؤ، ترابه المسك، يلقون فيه فتلمح ألوانهم وتبدو فى نحورهم شامة بيضاء، يعرفون بها، ويقال لهم: تمنوا ما شئتم، فيتمنوا حتى تنقطع أمنيتهم، فيقال لهم: ذلك وسبعون ضعفا بالموحدة، ويدخلون الجنة، ويعرفون بتلك الشامة، ويسمون مساكين أهل الجنة، وذلك بعد أن يستشفعوا الأنبياء فلا يشفعون، فيشفع فيهم نبينا.
وذكر الطبرى عن بعض، عنه صلى الله عليه وسلم أنهم قوم قتلوا فى سبيل الله عصاة لآبائهم وأنهم آخر من يدخل الجنة، ولم يصح هذا عنه صلى الله عليه وسلم، لأن من مات عاقاً لوالديه لا يدخل الجنة أبداً، كما تدل عليه الأحاديث، وقال بن الجوزى: قوم أرضوا آباءهم دون أمهاتهم، أو أمهاتهم دون آبائهم، وفيه ما ذكرت، وقيل: خرجوا إلى الجهاد بغير إذن آبائهم، ولعله جهاد مستغنى عنهم، فانظر شرحى على النيل.
وعن ابن عباس: أنهم أولاد الزنى، وفيه أنه لا تبعة عليهم أو نقصان يلحقهم من زنى آبائهم، فضلا عن أن يحبسوا لذلك، وقيل أهل الفترة، وعندنا أهل الفترة إلى النار، وقيل: أولاد المشركين وهو قريب، وقيل: قوم كانت لهم صغائر لم تكفر عنهم بالآلام والمصائب فحبسوا لينالهم غم، وهو حسن.
وعن ابن عباس: هم العباس وحمزة وعلى وجعفر ذو الجناحين، وعندنا أنهم فى الولاية إلاّ علياً فإن الصحيح أنه لم يتب، قال: يعرفون محبهم ببياض الوجوه، ومبغضهم بسوادها، وعند أصحاب الذنوب العظام، ولا يصح عندنا هذا إلا إن ماتوا على التوبة، فكان الحبس قصاصا، وهم على كل قول من الأقوال السابقة آخر أهل الجنة دخولا، وحبستهم قصاص.
وقال مجاهد: قوم صالحون فقهاء علماء، فكونهم على الأعراف للتلذذ، وليرى شرفهم، وقيل: هم عدول القيامة يشهدون على الناس بأعمالهم، وهم فى كل أمة، واختاره النحاس، وقال الزجاج، وابن الأنبارى: أنبياء أجلسهم الله هناك تشريفاً، وليطلعوا على أهل الجنة والنار، ومقادير الجزاء، وقيل الشهداء كانوا هنا للشريف، ولا بأس فى هذه الأقوال.
وقال أبو مجلز: لا حق بين حميدهم ملائكة موكلون على التمييز بين الكافر والمؤمن، سماهم رجالا، لأنهم بصورة الرجل، ويخاطبون بخطاب الذكر، وليسوا بإناث، وقد ضعفه الطبرى، بأن الرجل فى لسان العرب للذكر الآدمى.
{ يَعْرفُون كلاًّ } من أهل الجنة وأهل النار { بسِيماهُم } بعلامتهم، كبياض الوجوه ونضرتها، وسواد الوجوه وزرقة العيون، يعرفونهم بالسيماء إلهاماً أو مع تعليم الملائكة أن علامة كذا لأهل كذا، ووزن سيما فعلى كذكرى، فالياء أصل والألف للتأنيث من سام إبله إذا علمها وأرسلها فى المرعى، وسام الشىء وسومه علمه، أو من وسمه بمعنى علمه أيضا، فقدمت السين على الواو، وقلبت الواو ياء لكسر ما قبلها كما قيل: إن الجاه من الوجه، فذلك قلب مكنى وهو تقديم حرف على آخر، باعتبار ذلك يكون الوزن عدلا إلا إن كان ذلك اشتقاقا كبيرا كجيد وجدب، فالوزن فعلى أيضا وقد يرد ممدودا، ويقال سيماء بزيادة ياء بعد الميم.
{ ونادَوْا أصْحاب الجنَّة } إذا نظروا إليهم { أن سَلامٌ عليْكم } سلمكم الله سبحانه من الآفات، وبلغكم مناكم { لَم يدْخُلوها } حينئذ { وهم يَطْمعُون } فى دخولها بعد، قال الحسن: ما جعل الله ذلك الطمع فى قلوبهم إلا لكرامة يريدها بهم.
وقرىء: وهم طامعون، وقرأ ابن لقيط: وهم ساخطون ولم يدخلوها مستأنف وهم يطمعون حال من الواو، والضمائر لأصحاب الأعراف، ويجوز كون لم يدخلوها نعت لرجال، أو حال من واو نادوا، أو الطمع فى دخول الجنة يرجح أن أصحاب الأعراف آدميون، ولا يعين ذلك لجواز طمع الملائكة فى دخولها ليتلذذوا بذكر الله وخدمة أهل الجنة، وينجوا من عذابه، ويجوز أن يكون المعنى لم يدخلوها طامعين، بل دخلوها وقد غلب عليهم الإياس، ويؤيده قراءة ابن لقيط المذكورة، ويجوز أن يكون جملة لم يدخلوها حالا من أصحاب والواو لهم، أى نادى أصحاب الأعراف أصحاب الجنة، والحال أن أهل الجنة لم يدخلوها قبل، وطمع أهل الأعراف لأن نورهم لم يطف كما طفى نور المنافقين.