خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ
٥٨
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ والبَلَدُ الطَّيبُ يَخرُج نَباتُه } وقرأ أبو حيوة وابن أبى عبلة وعيسى ابن عمير بضم الياء وكسر الراء، ونصب النبات، وعلى هذا ففى يخرج ضمير البلد أو الله { بإذْن ربِّه } متعلق بيخرج أو لمحذوف حال، ومعناه بتيسير الله، وهو كتابة عن أنه يخرج حسنا وافيا بسهولة كثيراً كمًّا ونفعا، وهو فى مقابلة قوله نكداً، فالحالية أولى، لأن نكداً حال، وذلك مبالغة فى المدح كما تقول العامة عند رواية ما يعجبها: ما شاء الله، وتقول لمن اغتبطت حاله: أنت كما شاء الله، وخرج بعض على ذلك فله ما سلف وأمره إلى الله، واختار لفظ الرب لأنه مشعر بالتربية.
{ والَّذى خَبُث } بأن كان حجارة أو سبخة أو بذرها بذر شرك أو غيره مما لا نفع فيه { لا يخْرجُ إلاَّ نَكِداً } قليلا بمشقة وكلفة، قليل النفع أو عدم النفع، ويقدر مضاف، أى لا يخرج نباته فحذف الفاعل وهو نبات، وناب عنه المضاف إليه فارتفع واستتر، ويجوز تقديره أولا، أى ونبات البلد الذى خبث، وتقديره آخراً أنسب بما قبله، وبما تقرر أن الآخر أولى بالتغيير، وقرأ هؤلاء بضم الياء وكسر الراءِ أيضا، وعليه فنكداً مفعول به، والفاعل ضمير البلد أو الله، ويجوز أن يكون المفعول محذوفا أى لا يخرجه، فنكدا حال منه.
وقرأ طلحة بن مصرف بإسكان الكاف تخفيفا من الكسر، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع بفتح الكاف، قال الزجاج: وهى قراءة أهل المدينة وهو فيها مصدر أتى به مبالغة، أو بتأويله بالوصف أو بذا نكد، وذلك مثل للمؤمن والكافر، فالمؤمن ينتفع بالقرآن وتظهر عليه آثاره من العبادات والأخلاق الحميدة كالبلد الطيِّب يظهر فيه أثر الغيث من حشيش وأزهار وثمار، والكافر لا ينتفع بالقرآن، ولا تظهر عليه آثاره، بل يزداد كفراً كالسبخة، إنما تزداد بالماء ضراً كالإزلاق، وكإنبات الشوك ونحوه، أو ذلك مثل للمؤمن والكافر من كلامه، وعن النحاس مثل للفهم والبلد وفى الحديث:
"مثل ما بعثنى الله به من الهدى والعلم كغيث أصاب أرضا فطائفة منها طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ، وطائفة أمسكت الماء فشربوا منه وسقوا زروعهم، وطائفة لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ الأول مثل للعالم العامل، والثانية للعالم غير العامل، والثالثة لمن لا علم ولا عمل أو يعمل بلا علم" وزاد لهذا التمثيل ما قبله حسنا، وقيل: ليست للآية مثلا بل تتميم لما قبلها.
{ كَذلكَ نُصرِّف } وقرىء يصرف بالمثناه التحتية أى الله { الآياتِ لقوْمٍ يشْكُرونَ } أى مثل ذلك التصريف نصرف الآيات، أى نكررها لقوم يشكرون النعم، وأما غيرهم فإنها قد كررت له، لكن لا ينتفع بها، فكأنها كررت للمؤمنين فقط.