خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيۤ أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ
٧١
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قالَ قَد وقَع عليْكُم من ربِّكم رجْسٌ } ما يسوءكم { وغَضبٌ } سخط، أى قد سبقت لكم الشقاوة عند الله فالماضى على أصله، ويحتمل أن يريد بالرجس العذاب، وبوقوعه نزوله، ولو كان يقع حينئذ، لكنه لما كان واجب الوقوع صار كأنه واقع، ولا يخفى أن كونه واجبا وحقا لازما مسبب وملزوم لوقوعه، فذلك من المجاز المرسل، ويجوز أن يكون تعلق الرجس والغضب بهم مشبها بوقوع جسم من علو، فاستعير للتعلق لفظ الوقوع، واشتق منه وقع، فالمجاز استعارى، أو أراد قد وجب أن يقع عليكم الوجهان الأولان ظهرا لى، ثم رأيتها مع الثالث فى بعض الكتب، والحمد لله.
وعلى كل حال، فالمعنى كأنكم بما وعدتكم، تقول لمن طلب منك شيئا: قد كان ذلك، ولسع زنبور عبد الرحمن بن حسان وهو طفل فجاء يبكى، فقال له أبوه حسان: مالك تبكى؟ قال: لسعنى طوير كان ملتفا فى بردى حيدرة، فضمه إلى صدره فقال: يا بنى لقد قلت الشعر، يريد تسليته عن اللسعة، أى كأنك يا بنى كبرت وصرت رجلا عظيما تقول الشعر، وعن بعضهم: الرجس العذاب من الارتجاس، وهو الاضطراب، والسخط إرادة الانتقام.
{ أتُجادِلونَنى } الاستفهام توبيخ أو تعجب أو إنكار لاستقامة جدالهم { فى أسْماءٍ سمَّيتمُوها أنتُم وآباؤكُم } وضعتموها لأصنامكم إذ سموا كلا منها إلهاً، وسموها بأسماء حسان غير ما مرَّ لها من الأسماء { ما نَزَّل اللهُ بِها } أى بتلك الأسماء { مِنْ سُلطانٍ } دليل قوى، أو برهان منصوب يدل على أنها مستحقة لتلك الأسماء الدالة على الألوهية والعظمة، والمستحق للعبادة والألوهية والعظمة هو الخالق الرازق النافع الضار بالعدل، لا من لا يملك لنفسه فضلا عن غيره دفع ضر ولا جلب نفع.
فإذا جادلتم فى تلك الأصنام وذكرتموها بأسمائها فما تحصلتم إلا على أسماء، إذ لا توجد معانيها فى تلك الأصنام، وإنما قال سميتموها لتضمنه معنى وضعتموه كما رأيت، أو الأصل سميتم بها أصنامكم، فحذف الجار والمفعول به والمضاف إليه، وفى ذلك إظهار لجهلهم وحمقهم، كأنه قيل: أشد بجهلهم وحمقهم إذا اشتدوا فى الألوهية التى هى أمر عظيم على تسميتهم المجردة عن الدليل مثل: أعمى التقى فى طريقه بحجر فقال: ما أعظم شأنه، وما هو إلا إلهى.
وزعم بعضهم أن فى الآية دلالة على أن الاسم قد يكون هو المسمى، وليس ذلك بشىء، فإنه ليس المراد بأسماء سميتموها مسميات وضعتم لها أسماء كما توهم، بل المراد ما تحصلتم فى أمر الأصنام إلا على أسماء مجردة عن معانيها، فإن معنى الألوهية مفقود فى الأصنام، وزعم أن فيها دالة على أن اللغات توقيفية وضعها الله بالوحى، أو بخلق أصوات تدل على ذلك، أو بخلق علم ضرورى بها، وبيان ذلك أنه علق العتاب والبطلان بأنها مخترعة لم ينزل بها سلطان، وليس بشىء من حيث إن العتاب والإبطال إنما وقع باتخاذهم أشياء آلهة ليس فيها معنى الألوهية، لا بالتسمية فقط، وقيل: وضعها إنسان أو جماعة، وتعلمها غيرهم بالتكرر وقرينة الإشارة كأطفال.
وقيل القدر المحتاج توقيفى والباقى محتمل، وقيل: ابتداءها اصطلاح والباقى توقيف، واختار بعض الوقف، وأنا أختار التوقيف، لقوله تعالى:
{ { وعلم آدم الأسماء كلها } }. { فانتظِرُوا } نزول العذاب لإصراركم مع وضوح الحق { إنِّى مَعَكم مِنَ المنتظِرِينَ } نزوله.