خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
٧٧
-الأعراف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ فعَقَروا النَّاقَة } قتلوها، أو قطعوا عرقوبها، وقطعه مستلزم لموتها، أو قطعوه ثم نحروها، واكتفى بذكر العقر لأن من عادتهم إذا أرادوا نحر بعير أن يقطعوا عرقوبه { وعَتَوْا } هذا من عتى كرمى وضرب، أو من عتا كدعا ونصر، بدليل فتح التاء وإسكان الواو حيا فليس ماضيا للمضارع المذكور قبله، لعدم ضمها وإسكان الواو ميتا { عَن أمر ربِّهم } وهو ما بلغهم صالح مطلقا، أو المراد قوله: { فذروها } الخ وعذاه بعن لتضمنه معنى استكبروا.
وإنما أسند العقر والتوبة إليهم، مع أن فاعل ذلك بعضهم، لأنه فيهم ولرضاهم بذلك وسكوتهم، وأمر بعضهم بذلك، بل روى أن قدارا ما عقرها حتى استشار الرجال والنساء والصبيان، فتوافقوا على عقرها، ويجوز أن يكون معنى عتوهم عن أمر ربهم أن أمر ربهم بالحق مطلقا وبتركها هو السبب فى عتوهم، ولو لم يأمرهم لم يسموا عاصين لأمره، كما يكون القرآن سببا لزيادة كفر الكافرين بأن يؤمروا فيه بأمر ويتركوه ويجحدوه.
{ وقالُوا يا صالحُ ائتِنَا } بإبدال ياء ائتنا واوا لسكونها بعد ضمة، وفى ضمة الحاء وأصل هذه الياء همزة والأصل اإتنا بهمزة وصل مكسورة، فهمزة مسكنة وهى فاء الفعل، أبدلت ياء لسكونها بعد همزة مكسورة، فحذفت الهمزة الأولى وهى همزة الوصل لأنها لا تثبت فى الدرج، فاتصلت الياء بالحاء فى النطق، ولو فصلت بينهما فى الخط همزة فقلبت الياء واوا لسكونها بعد ضمة، وابن برى يعبر بأن الهمزة قلبت واوا أعنى الهمزة الثانية، إذ قال فى الدرر اللوامع: أبدل ورش كل فاء سكنت، يعنى أنه يبدل كل همزة وقعت فاء وسكنت من جنس حركة ما قبلها فيبدلها بعد فتحة ألفا نحو: ياكل ويالم ويابى وما منه: ويان وفلا تائس ويالونكم وماكول، وبعد ضمة واو نحو: يومنوا ويولون ويوتيه وياء بعد كسرة نحو: أن ايت.
قال شارحه: سواء ذلك فى كلمة كما ذكر، أو فى كلمتين نحو: لقاءنا ايت وإلى الهدى ائتنا، ويا صالح ايتنا، يقول: إيذن لى ثم ايتوا صفا الذى اوتمن، فتمد جاء يا صالح ايتنا بواو فى موضع الياء فتنطق بالحاء ممدودة بواو تلى الواو تاء مثناة فوق لا غير ذلك: وينطق فى الهدى ائتنا بدال مفتوحة ممدودة بألف هو بدل من ياء ايتنا، وإن شئت فقل عن همزته الثانية.
وأما ألف الهدى بعد الدال فحذفت للساكن بعدها، وهو الألف المبدلة من الياء بدليل أنهم لم يكتبوا ألفا حمراء بعد الدال فوق صورة الياء هكذا الهدى، وأما همزة ائتنا الأولى فهمزة وصل لم تثبت فى الدرج، وهكذا يقرأ لقاءنا ايت، وثم ايتوا وأما الذى اوتمن فيقرأ بدال ممدودة بياء هى بدل واو واوتمن قلبت ياء لانكسار ما قبلها، وإن شئت فقل أبدلت الهمزة الثانية ياء لكسرة الذال.
وأما ياء الذى فحذفت نطقا لسكون هذه الياء، وإن قلت: فكيف كتب ايتنا وايت وايتو وإيذن لى ياء مع أنها أبدلت ألفا، وكتب أوتمن واو مع أنه أبدلت ياء؟ قلت: اعتبارا للوقف على الكلمة قبلها فيبدأ اوتمن بهمزة وصل مضمومة فتبقى الواو وتبدأ تلك الكلمات بهمزة وصل مكسورة، فتبقى الياء، وأما قالون فيبقى الهمزة الثانية فى ذلك كله ويسكنها، ومراد صاحب الدر اللوامع بالإبدال التسهيل الضعيف المائل إلى حرف المد، لأنه قال فى ترجمته:

سلكت فى ذاك طريق الدانى كان ذا حفظ وذا إتقان

والدانى أبو عمرو قال: اعلم أن ورشا ليسهل الهمزة اذا كانت فاء نحو: الذى اوتمن والملك ايتونى به، وحكى عن حمزة إبدالها حرف مد خالصا، قال أبو عمرو الدانى: أهل الأداء من مشيخة المصريين الآخذين برواية أبى يعقوب، عن ورش قيل وقرأ عاصم وعيسى بتخفيف الهمزة التى هى فاء الكلمة كأنها ياء، قال أبو حاتم: قرأ أبو عمرو والأعمش بضم الهمزة مشبعة، ولا وجه له اللهم إلا أن يقال: الضم تبع للحاء والإتباع زيادة كما قرىء تنحاتون بالإشباع، وذلك فى الهمزة التى هى فاء الكلمة، لأنها هى التى تثبت فى الوصل.
{ بما تَعِدُنا } من العذاب على الكفر ومس الناقة بالسوء، وإنما لم يقولوا إنما توعدنا من أوعد الذى هو المستعمل فى السر، لأنه معلوم أن المراد الوعيد { إنْ كُنتَ منَ المرسَلينَ } وذلك استعجال منهم للعذاب إقحاما لصالح، لاعتقادهم أنه لا يكون، وأنه غير مرسل، وعرضوا بأن الله ينصر رسله، فإن كنت منهم فلينتقم منا ربك لك.