خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ
٥٠
-الأنفال

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ولوْ تَرَى } يا محمد أو كل من يصلح للرؤية، والظاهر الأول { إذْ } متعلق بترى، والمضارع بعد لو الشرطية بمعنى الماضى، وقال السعد: ليس المعنى على حقيقة المضى { يتَوفَّى الَّذينَ كفَرُوا } مفعول يتوفى الذين، ومفعول ترى محذوف، أى ولو ترى الذين كفروا، أو حال الذين كفروا، ولحذفه أتى بمفعول يتوفى ظاهرا لا ضميرا، ويجوز أن يكون الذين مفعولا لترى، ومفعول يتوفى ضمير محذوف، أى يتوفاهم، ويجوز أن يكون ذلك من باب التنازع.
{ الملائِكَةُ } فاعل يتوفى، والجمع من حيث إن لملك الموت أعوانا، أو لأن الكلام فى قتال بدر، ومن ضرب أحدا ضربا يموت به صح أنه قتله، ولو كان القابض الله { يضْرِبُون وُجوهَهم وأدْبارهُم } حال من الملائكة، أو من الذين، أو منهما لاشتماله على ضميرهما، ويجوز أن يكون فاعل يتوفى ضمير الله، والملائكة مبتدأ خبره ما بعده، والجملة حال من الذين مربوطة بالضمير دون الواو الأولى ما مر من أن الفاعل الملائكة، ويدل له قراءة ابن عامر، والأعرج: تتوفى بالمثناة فوق، وأن الغالب فى الجملة الاسمية الواقعة حال أن تقرن بالواو، والمراد بالرجوه ظاهرها وبالأدبار الأستاه، وخص الموضعان لأن الوجه أعز الأعضاء الظاهرة، والدبر أصون شئ أن ينال، فالضرب فيهما أشد خزيا ونكالا، والله كريم فكنى عن الاستاه بالأدبار هذا هو الظاهر، وبه قال مجاهد، وابن عباس فى رواية.
وقال الحسن، وابن عباس فى رواية: أراد بالوجوه ما أقبل منهم من وجه وصدر وبطن وغير ذلك، وبالأدبار ما أدبر من دبر وظهر وغيرهما، وبه قال ابن جريج، ويجوز أن يراد بالوجه والدبر ظاهرهما، ويكنى عن جميع الجسد بهما، كما تقول: زيد بنام صباحا ومساء، تريد وصفه بكثرة النوم، وأنه لا يحصره بوقت، وذلك أن الملائكة يضربون الكفار عند الموت بسياط من نار، وقيل ذلك يوم بدر يضربون وجوههم إذا أقبلوا، وأدبارهم إذا أدبروا بالسيوف، وبه قال ابن عباس.
قال الحسن:
"إن رجلا قال: يا رسول الله رأيت فى ظهر أبى جهل مثل الشراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك ضرب الملائكة" وقيل: إن الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم بعد ما يصرعون بالقتال يوم بدر، وجواب لو محذوف تفظيعا للأمر وتهويله، أى لرأيت أمرا فظيعا منكرا، ويجوز تقديره بعد الحريق أو بعد العبيد.
{ وذُوقُوا عَذَابَ الحَريقِ } مفعول لقول محذوف معطوف على يضربون، أى ويقولون ذوقوا، وهذا يوم القيامة عند الحسن، فالمراد بالملائكة ملائكة التوفى والزبانية، فملائكة التوفى تضرب الوجوه والأدبار عند التوفى، والملائكة الزبانية تقول: ذوقوا عذاب الحريق، فيجوز تقدير: وتقول الملائكة أو ملائكة العذاب: ذوقوا، وقال ابن عباس ذلك بعد التوفى، فالقائلون ملائكة التوفى، وقيل ذلك عند التوفى والضرب، كانت لهم مقامع من حديد محمية بالنار يضربونهم بها فيجرحونهم جروحا تلتهب نارا، وقيل: الأصل وحالهم يوم القيامة أن يقال لهم ذوقوا، والتعبير بالذوق بشارة على جهة التهكم، فإن الذوق فى الأكل والشرب والحريق الحرق.