خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
١١٠
-التوبة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ لا يَزالُ بُنْيانُهم الَّذى بَنوْا رِيبةً فى قُلُوبهم } تقدم أن البنيان بمعنى اسم المفعول، فيقدر مضاف، أى بناء بنيانهم، لأن المبنى لا يكون ريبة، وقد تدخله التاء أشد الفارسى وقال:

كبنيانة القارى موضع زَجْلها وآثار نسعَيْها من الدقّ أبلق

ويجوز إبقاؤه على أصله من المصدرية، فلا يقدر مضاف كذا قيل، قلت: ليس البناء أيضا شكا، فليس تأويل البنيان بتقدير مضاف أو بإبقائه على المصدرية ما نغنى، فالواضح إبقاؤه على المصدرية، أو جعله بمعنى اسم مفعول، مع تقدير المضاف قبل ريبة، أى سبب ريبة، والريبة الشك وفساد الاعتقاد واضطرابه والتعرض فى الشىء والتجنف فيه، والحرازة من أجله، وإن لم يكن ذلك شكا فقد يرتاب من لا يشك، فهو هنا يعم الغيظ والحنق، ويعم اعتقاد صواب فعلهم واعتقاد خطأ هدمه ونحو ذلك، مما يؤدى إلى الشك فى الإسلام، أما هدمه قالوا: لم هدمه وقد بناه للعبادة، وازدادوا غيظا وشكا، ورسخ ذلك فيهم بحيث لا يزول.
{ إلا أن تَقطَّع قُلوبُهم } أن مصدرية، والمصدر مستثنى، والاستثناء منقطع، ولك أن تقول: مصدر نائب عن ظرف الزمان بتقدير مضاف، أى إلا وقت تقطيع قلوبهم، فيكون استثناء مفرغا متصلا، أى لا يزال فى وقت إلا وقت التقطيع، وتشديد تقطع للمبالغة، والمراد تقطيعها حتى لا تكون قابلة للإدراك ولا للاضمار شىء فيها، وذلك تصوير للحال، وقيل: المراد التقطيع بالسيف ونحوه، قال ابن عباس: بالموت، وقيل: فى القبر، أو فى النار، وقيل: بالتوبة ندما وأسفا على تفريطهم.
وقرأ ابن عامر، وحمزة، وعاصم بخلاف عنهم، وأبو جعفر بفتح التاء والطاء، أى إلا أن تتقطع، فحذفت إحدى التاءين، وقرأ الحسن، ومجاهد، وقتادة، ويعقوب: إلى أن تقطع بإلى وضم التاء وكسر الطاء أى إلى أن يموتوا، ويصلح أيضا تفسيره فأمر غير الموت، وقرأ إلى أن تقطع بإلى وفتحهما وقرأ أبو حيوة إلا أن يقطع بالتحتية المضمومة وكسر الطاء مشددة، ونصب القلوب، على أن الضمير المستتر لله ولرسوله، أو للبيان من حيث إنه سبب لهلاكهم، وقرأ تقطع بضم المثناة وكسر الطاء مشددة ونصب القلوب.
والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أو لمن يصلح بالخطاب مطلقا، وقرأ تقطع بالتخفيف والبناء للمفعول، ورفع القلوب، وقرأ ابن مسعود ولو قطعت بالتشديد والبناء للمفعول، ورفع القلوب وكذا فى مصحفه، وقال أبو عمرو عنه، وإن قطعت بالتخفيف والبناء للمفعول والرفع، وفى مصحف أبىّ حتى الممات، وقيل فيه: حتى تقطع بالبناء للمفعول والتشديد.
{ واللهُ عَليمٌ } بأحوالهم ونياتهم وبسائر الخلق { حَكيمٌ } فى أفعله وفى أمره بهدم بنيانهم،
"ولما بايعت الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الكبرى، وهى البيعة الثالثة، وهم سبعون أو أكثر على ما مر، أصغرهم عقبة بن عامر، قال عبد الله بن رواحة: اشترط لك ولربك ما شئت، قال: أشترط لربى أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تقاتلوا الأحمر والأسود، وأشترط لنفسى أن تمنعونى بما تمنعون به أنفسكم وأموالكم قالوا: إذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال: الجنة فقالوا: نعم ربح البيع، لا نقيل ولا نقال" ، وروى: "لا نقيل ولا نستقيل" ، فنزل قوله عز وجل: { إنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ المؤمِنينَ أنفسَهُم وأمْوالَهم بأنَّ لَهم الجنَّة ... }.