خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
٣
-التوبة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وأذانٌ مِنَ اللهِ ورسُولِهِ } أى إعلام منهما، وهو اسم مصدر آذن كآمن أمانا، وأعطى عطاء، والمصدر أذان وإيمان وإعطاء، ومن ذلك الأذان للصلاة، فإنه إعلام بوقتها، والجار والمجرور نعت لأذان، الأصل أذان ثابت من الله ورسوله، أو النعت كون خاص، أى منهما.
{ إلى النَّاسِ } كلهم، وإعراب ذلك كإعراب
{ { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين } ولا وجه لقول بعضهم إنه معطوف على براءة، إلا إن أراد عطفه وما بعده على براءة وما بعده، وهذه الجملة إخبار بوجوب الإعلام بما يثبت، وتلك أخبار بثبوت البراءة، والبراءة مختصة بالمعاهدين، معلقة بهم، والأذان عام فعلق بالناس.
{ يَومَ الحجِّ الأكْبرِ } متعلق بأذان، ولو وصف لبقاء رائحة الفعل فيه، وهى عاملة فى الظروف، وقيل: لا يجوز عمل المصدر واسمه إذا وصفا لزوال قوة الفعل، وأجيز تعليقه بأذن أو أخزى محذوفا، وقيل: متعلق لمخزى وهو بعيد، ووجه تعليقه بأذان، أو بأذن مع أن الآيات نزلت قبل ذلك أن إعلام الناس بها كان يوم الحج الأكبر وهو يوم عيد الأضحى عند عبد الله بن أبى أوفى، والمغيرة بن شعبة، والشعبى، والنخعى، وابن جبير، والسدى،
"قال علىّ: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم الحج الأكبر قال: يوم النحر" .
وعن عمر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات فى الحجة التى حج فيها فقال: أى يوم هذا؟ فقال: يوم النحر، فقال: هذا يوم الحج الأكبر" وبذلك قال أبو هريرة، وقال على فى رواية، وابن عباس، وعكرمة، وعمرو، وابن عمر، وابن الزبير، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، وابن المسيب: يوم عرفة وأن فيه وقوع أول الأذان، والصحيح الأول لما روى، وقد مر، وفى الأضحى كمل الأذان، واحتج بعض على أنه عيد الأضحى بأن من فاته الوقوف يوم عرفة يجزيه الوقوف ليلة النحر، وهو احتجاج باطل.
وعن منذر بن سعيد: كان الناس يوم عرفة مفترقين إذا كانت قريش تقف بالمزدلفة، وكان الجميع يوم النحر وهو يوم الأضحى بمعنى، فيوم الحج الأصغر يوم عرفة لافتراقهم، ويوم الحج الأكبر يوم النحر لاجتماعهم، ولكن قريشا ومن تبعها وقفوا بالمزدلفة فى حجة أبى بكر هذه. وقال مجاهد، وسفيان الثورى: يوم الحج الأكبر أيام منى، فاليوم بمعنى الزمان، كما يقال: يوم صفين، ويوم الجمل، مع بقاء القتال أياما، ورجحه بعضهم بما مر أذان على يوم عرفة ويوم النحر وبعده، ونسب لسفيان بن عيينة.
وقال عبد الله بن الحارث بن نوفل، وابن سيرين، والحسن البصرى: هو يوم حجة الوداع فقط، فلم يكن قبل، ولن يكن بعد، لأنه اجتمع فيه حج المسلمين، وعيد اليهود، وعيد النصارى، وعيد المشركين أخزاهم الله، ولم يجتمع ذلك قبل، ولا يجتمع بعد، وضعف بأنه لا يصفه الله لهذا بأنه أكبر، وأجيب بأن المراد بوصفه بذلك أنه كثر معظموه، واتفق الناس على تعظيمه: مسلمهم وكافرهم، والصحيح كما مر أنه عيد النحر مطلقا، ووصف بذلك لأن فيه تمام الحج، ومعظم أفعاله، ولأن الإعلام كان فيه.
ومن قال: يوم حجة الوداع، فالأولى له فى تقليل وصفه أن يقول: وصفه لأن فيه حجة الوداع، ولأنه يوم الجمعة، وودع الناس فيه، وخطبهم وعلمهم المناسك، وذكر فى خطبته استدارة الزمان، وأبطل أحكام الجاهلية، وقد أبطلها يوم الفتح أيضا.
وقيل: يوم الحج الأكبر ذلك اليوم الذى حج فيه أبو بكر، ونبذت فيه العهود، وعز فيه الإسلام، ولذا وصف بأنه أكبر، وهو رواية عن الحسن البصرى، وقيل: إن يوم الحج الأكبر يوم النحر، والحج الأصغر العمرة، وبه قال عطاء، وقال الشعبى: الحج الأكبر الحج، والأصغر العمرة فى رمضان، وقال مجاهد: الأكبر القران بين الحج والعمرة، والأصغر الإفراد، وإنما يكون هذا مقبولا يدخل به فى الآية إن أريد به حج أبى بكر إن كان قارئا، أو يوم حجة الوداع إن كانت بالقران، وقد يقال: المراد يوم النحر مطلقا ووصفه بالأكبر مدح لا تحرز عن كبير أو صغير.
{ أنَّ الله برىءٌ منَ المشْركينَ } فتحت همزة أن لأن الأذان بمعنى الإعلام، أو لتقدير الباء، أى بأن الله، كسرت فى قراءة الحسن والأعرج، لأن الأذان فيه معنى القول { ورسُولُهُ } بالرفع عطفا على الضمير المستتر فى برىء، لوجود الفصل، أو بالرفع على الابتداء، والخبر محذوف أى ورسوله برىء منهم، أو ورسوله كذلك، وزعم بعض الكوفيين أنه معطوف على أصل اسم أن فإنه فى الأصل مرفوع، وأن رفعه منوى، ولو تغير لفظه بأن المفتوحة الهمزة، أو المكسورة الهمزة فى الآية، وعليه فإنما أفرد الخبر لأنه بوزن فعيل بمعنى فاعل، وما كان كذلك يجوز إفراده مع غير الواحد.
قالوا: وهو مرفوع عطفا على محل أن واسمها، فإنهما مبتدأ عند جماعة، وهذا فى قراءة الكسر، وقيل بهذا فى إن بالكسر وأخواتها، وقرأ ابن إسحاق، وعيسى بن عمر بالنصب عطفا على اسم أن، وأفرد الخبر لما مر، أو يقدر خبر معطوف على خبر أن بمنزلة قولك: إن زيدا قائم وعمرا قائم، أو النصب على المعية، فناصبه برىء.
وحكى جار الله: أن بعضا قرأ ورسوله بالجر على الجوار، والذى يختاره ابن هشام أن الجر على الجوار ممنوع فى العطف لفصل العاطف، وقيل: الجر على القسم فهو كقولهم: إن فرعون وهامان وقارون والنمرود والنبيين جميعا لفى سقر، بأن الواو الداخلة على لفظ اليمين للقسم.
وقال محمد بن قاسم، وأبو بكر الأنبارى فى أماليه، وأبو القاسم ابن عساكر فى تاريخ دمشق، عن ابن أبى مليكة أن أعرابيا قدم إلى المدينة فى زمان عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال: من يقرئنى مما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم؟ فأقرأه رجل:
{ { براءة من الله ورسوله } وقال: أن الله برىء من المشركين ورسوله بالجر، فقال الأعرابي: أو قد برىء الله من رسوله، إن يكن الله بريئا من رسوله فأنا أبرأ منه.
فبلغ عمر مقالة الأعرابى فدعاه فقال: يا أعرابى أتبرأ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنى قدمت المدينة ولا علم لى بالقرآن فسألت من يقرئنى فأقرأنى هذا سورة براءة فقال: إن الله برىء من المشركين ورسولِهِ، فقلت: أو قد برىء الله من رسوله، إن يكن الله برىء منه فأنا منه برىء، فقال عمر: ليس هكذا يا أعرابى قال، فكيف هى يا أمير المؤمنين؟ فقال: { أن الله برىء من المشركين ورسولُهُ } فقال الأعرابى: وأنا والله أبرأ ممن برىء الله ورسوله منه، فأمر عمر بن الخطاب أن لا يقرأ القرآن إلا على عالم باللغة، وأمر أبا الأسود فوضع علم النحو.
وأخرج ابن الأنبارى فى أماليه، من طريق محمد بن خالد المهلبى، عن أبيه قال: سمع أبو الأسود رجلا يقرأ أن الله برىء من المشركين ورسوله بالجر، فقال: لا أظننى يسعنى إلا أن أضع شيئا أصلح به لحن هذا، وأخرج من طريق العتبى أن معاوية كتب إلى زيادة يطلب عبيد الله ابنه، فلما قدم عليه كلمه فوجده يلحن، فرده إلى زياد وكتب إليه يلومه ويقول: أمثل عبيد الله يضيع، فبعثه زيادة إلى أبى الأسود فقال له: يا أبا الأسود إن هذه العجمة قد كثرت وأفسدت من لسان العرب، فلو وضعت شيئا يصلح به الناس ألسنتهم، ويعرفون به كتاب الله، فأبى ذلك أبو الأسود، فوجه زياد رجلا وقال له: اقعد فى طريق أبى الأسود، فإذا مر بك فاقرأ شيئا من القرآن وتعمد اللحن، فلما مر أبو الأسود رفع الرجل صوته يقرأ: أن الله برىء من المشركين ورسوله بالجر، فاستعظم ذلك أبو الأسود، فقال: عز وجه الله أن يتبرأ من رسوله، ثم رجع من فوره إلى زياد وقال له: أجبتك إلى ما سألت، والبراءة الأولى إبطال للعهد، وهذه نقيض الموالاة الجارية مجرى الزجر والوعد.
{ فإنْ تُبْتُم } عن الكفر والغدر { فَهو خَيرٌ لكُم } أى فالتوب خير لكم، أو فالمتاب خير لكم، وليس كما قيل: إن مصدر تاب توبة دون توب، وإنه لا يقال فى مصدره: توب إلا فى الضرورة بحذف التاء للضرورة، بل يقال فى السعة: توبة وتوب، ومتاب ومتابة، قال الله سبحانه،
{ { وقابل التوب } }. { وإنْ تولَّيتُم } أعرضتم عن التوبة فلم تتوبوا، أو عن الإسلام والوفاء به بعد التوبة { فاعْلَموا أنَّكم غَيرُ مُعْجزى اللهَ } غير فائتين عذابه وأخذه، وهذا وعيد يقع عليهم فى الدنيا { وبشِّر الَّذينَ كَفرُوا بعَذابٍ أليمٍ } فى الآخرة، ولفظ التبشير استهزاء بهم.