خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٣١
-التوبة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ اتَّخذُوا أحْبارَهُم } جمع حبر بفتح الحاء، وهو العالم، وأما الحبر بكسرها فهو المداد كما فى القاموس، وهو قول ابن السكيت، وقال الفراء: سمعت فتح الحاء وكسرها فى العالم، قال بعضهم: والكسر أفصح، وقال يونس: لم أحفظه إلا بالكسر، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.
{ ورُهْبانَهم } جمع راهب وهو الخائف، وكل من الحبر والراهب يكون فى اليهود والنصارى، ولو اشتهر أن الأحبار علماء اليهود، والرهبان أصحاب الصوامع من النصارى { أرْبابا مِنْ دُون اللهِ } بأن أطاعوهم فى تحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرم، فإن التحليل والتحريم إنما يتلقيان من الله، وإنما بدل الدين ملوك السوء وأحباره ورهبانه، وبأن سجدوا، لهم، فمن أطاعهم فيما ذكر قد اتخذهم أربابا، من سجد لهم قد اتخذهم أربابا.
قال الفضيل: ما أبالى أطعت مخلوقا فى معصية الخالق، أو صليت لغير القبلة، وفسر ابن عباس، وحذيفة اتخاذهم أربابا بطاعتهم فيما ذكر،
"وذكر عدى بن حاتم أنى أتيت النبى صلى الله عليه وسلم وفى عنقى صليب من ذهب فقال: يا عدى اطرح هذا الصليب من عنقك" فى رواية الطبرى، وروى غيره: "اطرح عنك هذا الوثن" وفى رواية: "ألق هذا من عنقك وسمعته يقرأ { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله }" وفى رواية غير الطبرى سمعته يقرأ سورة براءة، حتى أتى على هذه الآية، قلت: إنا لا نتخذهم أربابا من دون الله، وفى رواية الطبرى "قلت: يا رسول الله كيف ذلك ونحن لم نعبدهم؟ قال: أليسوا يحلون لكم ما حرم عليكم فتستحلونه، ويحرمون عليكم ما أحل لكم فتحرمونه؟ قلت: بلى، قال: فتلك عبادتهم" ولذا فسر الفضيل اتخاذهم أربابا بالعبادة.
وليس هذا الحديث حصرا فى تفسير الآية، بل تمثيل لها، فكأنه قال: إن لم تكن يا عدى تعبدهم بالسجود ونحوه فقد عبدتهم باتباعهم فى التحليل والتحريم، وفى الضياء، والتاج: من أجاب قيل ناطقا فقد عبده، فإن كان عن الله فقد عبد الله، وإن كان عن إبليس فقد عبده، وعبادته طاعته فيما دعاه إليه من المعاصى. انتهى.
{ والمسِيحَ } عطف على أحبار أو رهبان، أو يقدر واتخذوا المسيح رباً { ابنَ مرْيَم } بأن جعلوه ابنا لله، فإذا جعلوه ابنا له فقد أهلوه للعبادة، بل قال فريق منهم هو أنه كما مر { وما أمِرُوا } فى الكتب وسنة الأنبياء { ليعْبُدوا إلهاً واحداً } هو الله عز وجل، وأما اتباع الناطق فيما كان عن الله فهو عبادة لله كما مر، ويجوز عود الضمير للأحبار والرهبان والمسيح، أى هم مأمورون بعبادة الله وحده، فكيف يكون أربابا، فهذا كالدليل على بطلان اتخاذهم أربابا، واللام للتعليل، أى وما أمروا بما أمروا إلا ليعبدوا، أو صلة للتأكيد، وحذفت إن والباء أى وما أمروا إلا ليعبدوا، أى إلا بأن يعبدوا.
{ لا إلهَ إلا هُوَ } نعت ثان لإلها، أو حال منه، أو مستأنف مقرر للتوحيد { سُبحانهُ } مفعول مطلق عامله محذوف من لفظه، أى سبحوه، وهو اسم للمصدر الذى هو التسبيح، أى نزهوه التنزيه اللائق به، وغلط من قال: ليس من لفظ سبحان فعل فقدر العامل من لفظ التنزيه، فإن فعله سبح والنون زائد مع الألف.
{ عمَّا يُشْركونَ } متعلق بسبحان أو بعامله المحذوف، وما مصدرية أى عن إشراكهم أو اسم فيقدر مضاف، أى عن شركة ما يشركونه به، وذلك دليل على أن أهل الكتاب مشركون، وزعم من يقول غير ذلك أن إطلاق الإشراك عليهم كإطلاقه على الرياء.