خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَأَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ
٨٥
وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُنْ مَّعَ ٱلْقَاعِدِينَ
٨٦
رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ
٨٧
-التوبة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ولاَ تُعجْبكَ أمْوالهم وأولادُهم } كرره مع ما بعده للتأكيد، فإن النفوس شديدة الحب للمال والولد، فأعيد ذلك زجرا لهم، وأيضا مضى لذلك زمان، فربما غفلوا فأعيد النهى ليتنبهوا أيضا للجديد من الطراوة، ما ليس القديم أو نزل ذلك فى شأن فرقة غير الفرقة التى نزل فيها ذلك، أولا، وكان ذلك بإلغاء التقدم قوله: { { ولا ينفقون إلا وهم كارهون } وقد مر كلام فيه، وهذا بالواو، ولعدم التقدم ما يترتب هو عليه.
{ إنَّما يُريدُ الله } تعليل جملى { أنْ يُعذِّبهُم بهَا } وأسقط فى هذا التكرير لفظة لا قبل الأولاد، ولفظة الحياة قبل الدنيا اختصار من حيث إنه تكرير، وقيل: أسقط هنا لا تنبيها على أنه سواء الإعجاب بكثرة المال، والإعجاب بكثرة الولد، وأكثرية حبهم للولد الدال عليها زيادة لا هنالك وما دونها، وأسقط اللام تنبيها على أنها هناك بمعنى أن الذكران هنا قبل، وعلى أنه لا تعليل فى حكم الله، وأسقط الحياة تنبيها على أنها كل حياة، حتى إن الأولى الاقتصار على لفظ الدنيا.
{ وتَزْهقَ أنفُسُهم وهُم كافِرُون * وإذا أنْزلتْ سُورةٌ } من سور القرآن فيها الأمر بالإيمان والجهاد، ويجوز أن يراد بعض بعض السورة إطلاقا للكل، وإرادة البعض، أو حذفا للمضاف، أى بعض سورة، وقيل المراد سورة براءة على إرادة البعض، أو تقدير مضاف وهو ضعيف، لأن إذا للاستقبال، وبعض براءة المأمور فيه بالإيمان والجهاد نزل قبل هذا، إلا إن كان صاحب هذا القول ممن أجاز خروجها عن الاستقبال، كما قال بعض: إنها فى قوله تعالى:
{ { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم } } { { وإذا رأوا تجارة } للماضى وفى { { والليل إذا يغشى } للحال أو اعتبر الحال الماضية السابقة على زمان نزول ذلك البعض، حتى كأن وقت نزول هذه الآية متقدم على نزول ذلك البعض، وهكذا فى { { إذا ما أتوك } } { { وإذا رأوا } }. { أنْ آمنُوا بالله وجاهِدُوا مَعَ رسُوله } أن مصدرة تقدر قبلها باء، أو فى بناء على جواز دخول الجار على الطلب، ولا يجوز ذلك عندى، بل هى مفسرة، لأن إنزال السورة إيحاءها، والإيحاء فيه معنى القول دون حروفه.
{ اسْتأذنَكَ } القعود عن الغزو { أولُوا الطَّوْل } السعة فى المال والرياسة، كالجد بن قيس، وعبد الله بن أيوب، ومعتب بن قريش { منْهُم } أى من المنافقين والخطاب فى آمنوا وجاهدوا للمنافقين، أى أخلص الإيمان، وقيل للمؤمنين، وعليه فالمراد دوموا على الإيمان والجهاد، ويدخل المنافقون بالتبع.
والذى عندى أن الخطاب للناس، والمراد الدوام، فالمؤمنون مأمورون بالدوام، والمنافقون مأمورون بالدوام على ما لم يكونوا عليه، كما تقول لمن يقرأ سورة الكوثر مثلا: دم على قراءتها، وقدم الإيمان لأنه الباعث على الجهاد، ولأنه إنما ينفع للجهاد معه، وخص أولى الطول بالذكر لأنهم يحتاجون إلى الاستئذان دون الفقراء الذين لا يقدرون على الجهاد، ولأن الذم ألزم لهم لكونهم قادرين على الجهاد والسفر.
{ وقالُوا ذَرْنا } اتركنا { نَكُن مَعَ القَاعِدينَ } أى مع الذين قعدوا عن الخروج لعذر، كمرض وأنوثة، وضبط المدينة، واستأنف الله سبحانه وتعالى الذم لهم بقوله:
{ رَضُوا بأنْ يَكُونوا مَع الخَوالفِ } أى مع النساء جمع خالفة، ولذلك كان الجمع على فواعل، مع أن الصفة لمن يعقل كضاربة وضوارب، وقال أبو جعفر النحاس: يقال للرجل الذى لا خير فيه: خالفة، وكذا قال النظر بن شميل، فعلى هذا فإنما جمع على فواعل مع أنه صفة للمذكر، نظر إلى تأنيث لفظه، وقيل جمع خالف شاذ كفارس وفوارس وما ماثله إن لم تقدر الطائفة، قيل: مثل ذلك، أن يسمع هؤلاء فوارس، فإنه إن قدر هؤلاء طائفة فوارس فلا شذوذ فيه، وإن سمع رجال فوارس فشاذ قطعا على ما قال الإمام المرادى.
{ وطُبعَ عَلَى قلُوبِهِم } شبه الكفر الذى اختاروه بما يختم به الكتاب ويمنع من نشره، لأنه مانعهم الهدى { فَهُم لا يفْقَهونَ } لا يعلمون ما فى الجهاد، وموافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم من السعادة والفوز، وما فى التخلف من الشقاوة والهلاك.