خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ
١
-يونس

روح المعاني

{ بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } { الۤر } بتفخيم الراء المفتوحة وهو الأصل وأمال أبو عمرو وبعض القراء إجراء لألف الراء مجرى الألف المنقلبة عن الياء فإنهم يميلونها تنبيهاً على أصلها، وفي الإمالة هنا دفع توهم أن ـ را ـ حرف كما ولا فقد صرحوا أن الحروف يمتنع فيها الإمالة، وقرأ ورش بين بين. والمراد من { الۤر } على ما روى جماعة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنا الله أرى، وفي رواية أخرى أنها بعض الرحمن وتمامه حم ون، وعن قتادة أنها بعض الراحم وهو من أسماء القرآن، وقيل: هي أسماء للأحرف المعلومة من حروف التهجي أتى بها مسرودة على نمط التعديد بطريق التحدي وعليه فلا محل لها من الإعراب، والكلام فيها وفي نظائرها شهير. / والأكثرون على أنها اسم للسورة فمحلها الرفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف أي هذه السورة مسماة بكذا وهو أظهر من الرفع على الابتداء لعدم سبق العلم بالتسمية بعد فحقها الإخبار بها لا جعلها عنوان الموضوع لتوقفه على علم المخاطب بالانتساب، والإشارة إليها قبل جريان ذكرها لصيرورتها في حكم الحاضر لاعتبار كونها على جناح الذكر كما يقال في الصكوك: هذا ما اشترى فلان، وجوز النصب بتقدير فعل لائق بالمقام كاذكر واقرأ وكلمة { تِلْكَ } إشارة إليها أما على تقدير كون { الۤر } مسروداً على نمط التعديد فقد نزل حضور مادتها منزلة ذكرها فأشير إليها كأنه قيل: هذه الكلمات المؤلفة من جنس هذه الحروف المبسوطة الخ، وأما على تقدير كونها اسماً للسورة فقد نوهت بالإشارة إليها بعد تنويهها بتعيين اسمها أو الأمر بذكرها أو بقراءتها.

وما في اسم الإشارة من معنى البعد للتنبيه على بعد منزلتها في الفخامة ومحله الرفع على أنه مبتدأ خبره قوله عز وجل: { آيَٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ } وعلى تقدير كون { الۤر } مبتدأ فهو إما مبتدأ ثان أو بدل من الأول، والمعنى هي آيات مخصوصة منه مترجمة باسم مستقل، والمقصود ببيان بعضيتها منه (وصفيتها بما أشير إلى) اتصافه به من النعوت الفاضلة والصفات الكاملة، والمراد بالكتاب إما جميع القرآن العظيم وإن لم ينزل بعد إما باعتبار تعينه وتحققه في العلم أو في اللوح أو باعتبار نزوله جملة إلى بيت العزة من السماء الدنيا، وإما جميع القرآن النازل وقتئذٍ المتفاهم بين الناس إذ ذاك فإنه كما يطلق على المجموع الشخصي يطلق على مجموع ما نزل في كل [عصر] كذا قال شيخ الإسلام.

وأنت تعلم أن المشهور عن السلف تفويض معنى { الۤر } وأمثاله إلى الله تعالى وحيث لم يظهر المراد منها لا معنى للتعرض لإعرابها، وقد ذكروا أنه يجوز في الإشارة أن تكون لآيات هذه السورة وأن تكون لآيات القرآن ويجوز في الكتاب أن يراد به السورة وأن يراد القرآن فتكون الصور أربعاً. إحداها: الإشارة إلى آيات القرآن والكتاب بمعنى السورة ولا يصح إلا بتخصيص آيات أو تأويل بعيد. وثانيها: عكسه ولا محذور فيه. وثالثها: الإشارة إلى آيات السورة والكتاب بمعنى السورة. ورابعها: الإشارة إلى آيات القرآن والكتاب بمعنى القرآن، ومرجع إفادة الكلام عليهما باعتبار صفة الكتاب الآتية، وجوز الإشارة إلى الآيات لكونها في حكم الحاضر وإن لم تذكر كما في المثال المذكور آنفاً. وفي «أمالي ابن الحاجب» أن المشار إليه لا يشترط أن يكون موجوداً حاضراً بل يكفي أن يكون موجوداً ذهناً. وفي «الكشاف» في تفسير قوله تعالى: { { هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ } [الكهف:78] ما يؤيده، وأوثر لفظ { تِلْكَ } لما أشار إليه الشيخ ولكونه في حكم الغائب من وجه ولا يخلو ما ذكروه عن دغدغة، وأما حمل الكتاب على الكتب التي خلت قبل القرآن من التوراة والإنجيل وغيرهما كما أخرجه ابن أبـي حاتم عن قتادة فهو في غاية البعد فتأمل.

وقوله تعالى: { ٱلْحَكِيمُ } صفة للكتاب ووصف بذلك لاشتماله على الحكم فيراد بالحكيم ذو الحكمة على أنه للنسبة كلابن وتامر، وقد يعتبر تشبيه الكتاب بإنسان ناطق بالحكمة على طريق الاستعارة بالكناية وإثبات الحكمة قرينة لها، وجوز أن يكون وصفه بذلك لأنه كلام حكيم فالمعنى حكيم قائله فالتجوز في الإسناد كليله قائم ونهاره صائم، وقيل: لأن آياته محكمة لم ينسخ منها شيء أي بكتاب آخر ففعيل بمعنى مفعل وقد تقدم ماله وما عليه.