خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ
١٠٠
-هود

روح المعاني

{ ذٰلِكَ } إشارة إلى ما قص من أنباء الأمم وبعده باعتبار تقضيه أو باعتبار ما قيل في غير موضع، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مبتدأ خبره { مِنْ أَنْبَآء ٱلْقُرَىٰ } المهلكة بما جنته أيدي أهلها فأل فيها للعهد السابق تقديراً بذكر أربابها { نَقُصُّهُ عَلَيْكَ } خبر بعد خبر أي ذلك النبأ بعض أنباء القرى مقصوص عليك؛ وجوز أن يكون من { أَنْبَآء } في موضع الحال وهذا هو الخبر، وجوز أيضاً عكس ذلك { مِنْهَا } أي من تلك القرى { قَائِمٌ وَحَصِيدٌ } أي ومنها حصيد، فالعطف من عطف الجملة على الجملة وهو الذي يقتضيه المعنى كما لا يخفى، وقد شبه ما بقي منها بالزرع القائم على ساقه وما عفا وبطل بالحصيد، فالمعنى منها باق ومنها عاف، وهو المروي عن قتادة، ونحوه ما روي عن الضحاك { قَائِمٌ } لم يخسف { وَحَصِيدٌ } قد خسف، قيل: { وَحَصِيدٌ } الزرع جاء في كلامهم بمعنى الفناء كما في قوله:

والناس في قسم المنية بينهم (كالزرع منه قائم وحصيد)

/ وصيغة فعيل بمعنى مفعول أي محصول كما قال الأخفش، وجمعه حصدي وحصاد مثل مرضى ومراض. وجملة { مِنْهَا قَآئِمٌ } الخ مستأنفة استئنافاً نحوياً للتحريض على النظر في ذلك والاعتبار به، أو بيانياً كأنه سئل لما ذكرت ما حالها؟ فأجيب بذلك، وقال أبو البقاء: هي في موضع الحال من الهاء في { نَقُصُّهُ }، وجوز الطيبـي كونها حالاً من { ٱلْقُرَىٰ }، وادعى صاحب «الكشف» أن جعلها حالاً من ضمير { نَقُصُّهُ } فاسد لفظاً ومعنى، ومن { ٱلْقُرَىٰ } كذلك، وفي «الحواشي الشهابية» أراد بالفساد اللفظي في الأول خلو الجملة من الواو والضمير وفي الثاني مجيء الحال من المضاف إليه في غير الصور المعهودة، وبالفساد المعنوي أنه يقتضي أنه ليس من المقصوص بل هو حال خارجة عنها وليس بمراد، ولا يسوغ جعل ما بعده ابتداء المقصوص، وفيه فساد لفظي أيضاً.

وزعم بعض أنه أراد بالفساد الأول في الأول ما ذكر وفي الثاني وقوع الجملة الاسمية حالاً بالضمير وحده وبالضمير تخصيص كونها مقصوصة بتلك الحالة فإن المقصوصية ثابتة لها وللنبأ وقت قيام بعضها أيضاً، وقد أصاب بعضاً وأخطأ بعضاً، ووجه الجلبـي الخلو عن الواو والضمير بأن المقصود من الضمير الربط وهو حاصل لارتباط ذلك بمتعلق ذي الحال وهي القرى، فالمعنى نقص عليك بعض أنباء القرى وهي على هذه الحالة تشاهدون فعل الله تعالى بها. وتعقب بأن الاكتفاء في الربط بما ذكر مع خفائه مذهب تفرد به الأخفش ولم يذكره في الحال وإنما ذكره في خبر المبتدأ، وقول أبـي حيان: إن الحال أبلغ في التخويف وضرب المثل للحاضرين مع ما سمعت نفعاً والحق أنه لا وجه لما ذكره أبو البقاء يعول عليه إلا الذهول.