خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ
٢٣
-إبراهيم

روح المعاني

{ وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَـٰالِدِينَ فِيهَا } بصيغة المضارع المسند إلى المتكلم. وأنت تعلم أنه إذا اعتبرت هذه القراءة مؤيدة لهذا القول فلتعتبر قراءة الجمهور { أدخل } بصيغة الماضي المبني للمفعول مؤيدة لما قبله فإن المدخلين الملائكة عليهم السلام فتأمل، وكأن الله تعالى/ لما جمع الفريقين في قوله سبحانه: { { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا } [إبراهيم: 21] وذكر شيئاً من أحوال الكفار ذكر ما آل إليه أمر المؤمنين من إدخالهم الجنة { بِإِذْنِ رَبّهِمْ } أي بأمره سبحانه أو بتوفيقه وهدايته جل شأنه، والجار والمجرور متعلق ـ بأدخل ـ على قراءة الجمهور. وفي التعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم إظهار مزيد اللطف بهم، وعلقه جماعة على القراءة الأخرى بقوله تعالى: { تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَـٰمٌ } أي يحييهم الملائكة بالسلام بإذن ربهم. وتعقب ذلك أبو حيان بأن فيه تقديم معمول المصدر المنحل بحرف مصدري وفعل عليه وهو غير جائز لما أن ذلك في حكم تقديم جزء من الشيء المرتب الأجزاء عليه. ورد بأن الظاهر أنه هنا غير منحل إليهما لأنه ليس المعنى المقصود منه أن يحيوا فيها بسلام، ولو سلم فمراد القائل بالتعلق التعلق المعنوي فالعامل فيه فعل مقدر يدل عليه { تَحِيَّتُهُمْ } أي يحيون بإذن ربهم. وقال العلامة الثاني: الأظهر أن التقديم جائز إذا كان المعمول ظرفاً أو شبهه وهو في الكلام كثير، والتقدير تكلف، وليس كل مؤول بشيء حكمه حكم ما أول به، مع أن الظرف مما يكفيه رائحة من الفعل لأن له شأناً ليس لغيره لتنزله من الشيء منزلة نفسه لوقوعه فيه وعدم انفكاكه عنه، ولهذا اتسع في الظروف ما لم يتسع في غيرها اهـ، وبالجواز أقول، وإنما لم يجعله المحققون متعلقاً ـ بأدخل ـ على تلك القراءة مع أنه سالم من الاعتراض ومشتمل على الالتفات أو التجريد وهو من المحسنات لأن قولك: أدخلته بإذني ركيك لا يناسب بلاغة التنزيل، والالتفات أو التجريد حاصل إذا علق بما بعده أيضاً. وفي "الانتصاف" ((الصارف عن هذا الوجه هو أن ظاهر { أُدْخِلَ } بلفظ المتكلم يشعر بأن إدخالهم الجنة لم يكن بواسطة بل من الله تعالى مباشرة وظاهر الإذن يشعر بإضافة الدخول إلى الواسطة فبينهما تنافر، واستحسن أن يعلق ـ بخالدين ـ والخلود غير الدخول فلا تنافر))، وتعقبه في «الكشف» بأن ذلك لا يدفع الركاكة وكأنه لما أن الإذن للدخول لا للاستمرار بحسب الظاهر، وكون المراد بمشيئتي وتيسيري لا يدفع ذلك عند التأمل الصادق، فما ذهب إليه ابن جني واستطيبه الشيخ الطيبـي وارتضاه ليس بشيء لمن سلم له ذوقه.