خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ
٣٩
-إبراهيم

روح المعاني

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى ٱلْكِبَرِ } أي مع كبر سني ويأسي عن الولد ـ فعلى ـ بمعنى مع كما في قوله:

/ إني على ما ترين من كبري أعرف من أين تؤكل الكتف

والجار والمجرور في موضع الحال، والتقييد بذلك استعظاماً للنعمة وإظهاراً لشكرها، ويصح جعل { عَلَىَّ } بمعناها الأصلي والاستعلاء مجازي كما في «البحر»، ومعنى استعلائه على الكبر أنه وصل غايته فكأنه تجاوزه وعلا ظهره كما يقال: على رأس السنة، وفيه من المبالغة ما لا يخفى، وقال بعضهم: لو كانت للاستعلاء لكان الأنسب جعل الكبر مستعلياً عليه كما في قولهم: عليَّ دين، وقوله: { { وَلَهُمْ عَلَىَّ ذَنبٌ } [الشعراء: 14] بل الكبر أولى بالاستعلاء منهما حيث يظهر أثره في الرأس { { وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً } [مريم: 4] نعم يمكن أن تجري على حقيقتها بجعلها متعلقة بالتمكن والاستمرار أي متمكناً مستمراً على الكبر، وهو الأنسب لإظهار ما في الهيئة من الآية حيث لم يكن في أول الكبر اهـ وفيه غفلة عما ذكرنا.

{ إِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ } روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه وهب له إسماعيل وهو ابن تسع وتسعين سنة، ووهب له إسحاق وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة، وفي رواية أنه ولد له إسماعيل لأربع وستين، وإسحاق لسبعين، وعن ابن جبير لم يولد لإبراهيم عليه السلام إلا بعد مائة وسبع عشرة سنة { إِنَّ رَبّى } ومالك أمري { لَسَمِيعُ ٱلدُّعَاء } أي لمجيبه فالسمع بمعنى القبول والإجابة مجاز كما في سمع الله تعالى لمن حمده، وقولهم: سمع الملك كلامه إذا اعتد به وقبله، وهو فعيل من أمثلة المبالغة وأعمله سيبويه وخالف في ذلك جمهور البصريين، وخالف الكوفيون فيه وفي أعمال سائر أمثلتها، وهو إذا قلنا بجواز عمله مضاف لمفعوله أن أريد به المستقبل، وقيل: إنه غير عامل لأنه قصد به الماضي أو الاستمرار، وجوز الزمخشري أن يكون مضافاً لفاعله المجازي فالأصل سميع دعاؤه بجعل الدعاء نفسه سامعاً، والمراد أن المدعو وهو الله تعالى سامع. وتعقبه أبو حيان بأنه بعيد لاستلزامه أن يكون من باب الصفة المشبهة وهو متعد ولا يجوز ذلك إلا عند الفارسي حيث لا يكون لبس نحو زيد ظالم العبيد إذا علم أن له عبيداً ظالمين، وهٰهنا فيه إلباس لظهور أنه من إضافة المثال للمفعول انتهى، وهو كلام متين.

والقول بأن اللبس منتف لأن المعنى على الإسناد المجازي كلام واه لأن المجاز خلاف الظاهر فاللبس فيه أشد ومثله القول بأن عدم اللبس إنما يشترط في إضافته إلى فاعله على القطع، وهذا كما قال بعض الأجلة مع كونه من تتمة الحمد والشكر لما فيه من وصفه تعالى بأن قبول الدعاء عادته سبحانه المستمرة تعليل على طريق التذييل للهبة المذكورة؛ وفيه إيذان بتضاعيف النعمة فيها حيث وقعت بعد الدعاء بقوله: { رَبّ هَبْ لِى مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينِ } [الصافات: 100] فاقترنت الهبة بقبول الدعوة، وذكر بعضهم أن موقع قوله: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } وتذييله موقع الاعتراض بين أدعيته عليه السلام في هذا المكان تأكيداً للطلب بتذكير ما عهد من الإجابة، يتوسل إليه سبحانه بسابق نعمته تعالى في شأنه كأنه عليه السلام يقول اللهم استجب دعائي في حق ذريتي في هذا المقام فإنك لم تزل سميع الدعاء وقد دعوتك على الكبر أن تهب لي ولداً فأجبت دعائي وهبت لي إسماعيل وإسحاق ولا يخفى أن إسحاق عليه السلام لم يكن مولوداً عند دعائه عليه السلام السابق فالوجه أن لا يجعل ذلك اعتراضاً بل يحمل على أن الله تعالى حكى جملاً مما قاله إبراهيم عليه السلام في أحايين مختلفة تشترك كلها فيما سيق له الكلام من كونه عليه السلام على الإيمان والعمل الصالح وطلب ذلك لذريته وأن ولده الحقيقي من تبعه على ذلك فترك العناد والكفر، وقد ذكر هذا صاحب "الكشف" ومما يعضده ما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في قوله: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } الخ. قال هذا بعد ذلك بحين، ووحد عليه السلام الضمير في { رَبّ } / وإن كان عقيب ذكر الولدين لما أن نعمة الهبة فائضة عليه عليه السلام خاصة وهما من النعم لا من المنعم عليهم.