خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ
٥٠
-إبراهيم

روح المعاني

{ سَرَابِيلُهُم } أي قمصانهم سربال { مّن قَطِرَانٍ } هو ما يحلب من شجر الأبهل فيطبخ وتهنأ به الإبل الجربى فيحرق الجرب بما فيه من الحدة الشديدة وقد تصل حرارته إلى الجوف وهو أسود منتن يسرع فيه اشتعال النار حتى قيل: إنه أسرع الأشياء اشتعالاً. وفي "التذكرة" أنه نوعان غليظ براق حاد الرائحة ويعرف بالبرقى، ورقيق كمد ويعرف بالسائل والأول من الشربين خاصة والثاني من الأرز والسدر ونحوهما والأول أجود وهو حار يابس في الثالثة أو الثانية، وذكر في الزفت أنه من أشجار كالأرز وغيره، وأنه إن سال بنفسه يقال زفت وإن كان بالصناعة فقطران، ويقال فيه: قطران بوزن سكران. وروي عن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما أنهما قرآ به، وقطران بوزن سرحان ولم نقف على من قرأ بذلك، والجملة من المبتدأ والخبر في موضع النصب على الحالية من المجرمين أو من ضميرهم في { { مُقْرَّنِينَ } [إبراهيم: 49] أو من { مُقْرَّنِينَ } نفسه على ما قيل رابطها الضمير فقط كما في كلمته فوه إلى فيَّ أو مستأنفه، وأياً ما كان ففي { سَرَابِيلُهُم } تشبيه بليغ وذلك أن المقصود أنه تطلى جلود أهل النار بالقطران حتى يعود طلاؤه كالسرابيل وكأن ذلك ليجتمع عليهم الألوان الأربعة من العذاب لذعه وحرقه وإسراع النار في جلودهم واللون الموحش والنتن على أن التفاوت بين ذلك القطران وما نشاهده كالتفاوت بين النارين فكان ما نشاهده منهما أسماء مسمياتها في الآخرة فبكرمه العميم نعوذ وبكنفه الواسع نلوذ، وجوز أن تكون في الكلام استعارة تمثيلية بأن تشبه النفس الملتبسة بالملكات الرديئة كالكفر والجهل والعناد والغباوة بشخص لبس ثياباً من زفت وقطران، ووجه الشبه تحلى كل منهما بأمر قبيح مؤذ لصاحبه يستكره عند مشاهدته، ويستعار لفظ أحدهما للآخر، ولا يخفى ما في توجيه الاستعارة التمثيلية بهذا من المساهلة وهو ظاهر، على أن القول بهذه الاستعارة هنا أقرب ما يكون إلى كلام الصوفية، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون القطران المذكور عين ما لابسوه في هذه النشأة وجعلوه شعاراً لهم من العقائد الباطلة والأعمال السيئة المستجلبة لفنون العذاب قد تجسدت في النشأة الآخرة بتلك الصورة المستتبعة لاشتداد العذاب، عصمنا الله تعالى من ذلك بلطفه وكرمه. وأنت تعلم أن التشبيه البليغ على هذا على حاله. وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس وأبو هريرة وعكرمة وقتادة وجماعة { من قَطِرٍ آن } على أنهما كلمتان منونتان أولاهما قطر بفتح القاف وكسر الطاء وهي النحاس مطلقاً أو المذاب منه وثانيتهما آن بوزن عان بمعنى شديد الحرارة. قال الحسن: قد سعرت عليه جنهم منذ خلقت فتناهى حره.

{ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمْ ٱلنَّارُ } أي تعلوها وتحيط بها النار التي تسعر بأجسادهم المسربلة بالقطران، وتخصيص الوجوه بالحكم المذكور مع عمومه لسائر أعضائهم لكونها أعز الأعضاء الظاهرة وأشرفها كقوله تعالى: { { أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [الزمر: 24] ولكونها مجمع الحواس والمشاعر التي لم يستعملوها فيما خلقت له من إدراك الحق وتدبره، وهذا كما تطلع على أفئدتهم لأنها أشرف الأعضاء الباطنة ومحل المعرفة وقد ملؤها بالجهالات أو لخلوها كما قيل: عن القطران المغني عن ذكر غشيان النار، ووجه تخليتها عنه بأن ذلك لعله ليتعارفوا عند انكشاف اللهب أحياناً ويتضاعف عذابهم بالخزي على رؤوس الأشهاد. وقرىء برفع الوجوه ونصب { النار } كأنه جعل ورود الوجوه على النار غشياناً لها مجازاً. وقرىء { تغشى } أي تتغشى بحذف إحدى التاءين، والجملة كما قال أبو البقاء نصب على الحال كالجملة السابقة.

وفي "الكشف" وأفاد العلامة الطيبـي أن مقرنين ـ سرابيلهم من قطران ـ تغشى ـ أحوال من مفعول { { تَرَى } [إبراهيم: 49] جيء بها كذلك للترقي؛ ولهذا جيء بالثانية جملة اسمية لأن سرابيل القطران الجامعة بين الأنواع الأربعة أفظع من الصفد،، وأما تغشى فلتجديد الاستحضار المقصود في قوله تعالى: { وَتَرَى } لأن الثاني أهول؛ والظاهر أن الثانيين منقطعان من حكم الرؤية لأن الأول في بيان حالهم في الموقف إلى أن يكب بهم في النار، والأخيرين لبيان حالهم بعد دخولها، وكأن الأول حرك من السامع أن يقول: وإذا كان هذا شأنهم وهم في الموقف فكيف بهم وهم في جهنم خالدون؟ فأجيب بقوله سبحانه: { سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ } وأوثر الفعل المضارع في الثانية لاستحضار الحال وتجدد الغشيان حالاً فحالاً، وأكثر المعربين على عدم الانقطاع.